تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الولاء والبراء من الإيمان، بل هو شرط من الإيمان، كما قال سبحانه: ((تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) [المائدة:80 - 81].

يقول ابن تيمية عن هذه الآية:» فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف "لو" التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: ((ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ)) فدل ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه .. «(2).

والولاء والبراء أيضاً أوثق عرى الإيمان، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» رواه أحمد والحاكم.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله .. ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» (3).

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فقد قال عليه الصلاة والسلام:» أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين «رواه النسائي وأحمد.

وتأمل معي هذه العبارة الرائعة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل (ت 513 هـ):

«إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون كفراً .. وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب» (4).

- 2 -

الولاء معناه المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء أمر قلبي في أصله .. لكن يظهر على اللسان والجوارح .. فالولاء لا يكون إلا لله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين كما قال سبحانه: ((إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا .. )) .. فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم وتشييع ميتهم ومواساتهم وإعانتهم والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء.

والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم - ديناً - وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم - شرعاً - وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام (5) وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم (6).

- 3 -

أهل السنة يرحمون الخلق ويعرفون الحق، فهم أحسن الناس للناس، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وهم في وئام تام، وتعاطف وتناصح وإشفاق كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، حتى قال أحد علمائهم وهو - أيوب السَّخِتْياني -: «إنه ليبلغني عن الرجل من أهل السنة أنه مات، فكأنما فقدت بعض أعضائي» (7).

ولذا قال قوّام السنة إسماعيل الأصفهاني: "وعلى المرء محبة أهل السنة في أي موضع كانوا رجاء محبة الله له، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى:» وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتلاقين فيّ «رواه مالك وأحمد، وعليه بغض أهل البدع في أي موضع كانوا حتى يكون ممن أحب في الله وأبغض في الله" (8).

ولا شك أن هذا الولاء فيما بين أهل السنة، إنماهو بسبب وحدة منهجهم، واتحاد طريقتهم في التلقي والاستدلال، والعقيدة والشريعة والسلوك، ..

- 4 -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير