تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكفار هم أعداؤنا قديماً وحديثاً سواء كانوا كفاراً أصليين كاليهود والنصارى أو مرتدين، قال تعالى: ((لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)) [آل عمران 28].

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكفار وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك فقال تعالى: ((ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)) أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فهو بريء من الله، كما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً .. )) [النساء 144]، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ)) (9).

فهذه حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وهي أن الكفار دائماً وأبداً هم أعداؤنا وخصومناً .. كما قرر ذلك القرآن في أكثر من موضع، فقد بين الله سبحانه وتعالى هذه الحقيقة فقال سبحانه عنهم: ((لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةً .. ) وقال تعالى: ((مَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ولا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ .. ) وقال سبحانه: ((ودَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم .. ) هكذا حذر الله تعالى من الكفار: ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)) .. ولكي يطمئن قلبك .. فانظر إلى التاريخ في القديم والحديث .. وما فعله الكفار في الماضي وما يفعلونه في هذه الأيام، وما قد سيفعلونه مستقبلاً.

ورحم الله ابن القيم عندما عقد فصلاً فقال: «فصل في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم وتمنيهم السوء لهم، ومعاداة الرب تعالى لمن أعزهم أو والاهم أو ولاّهم أمر المسلمين» (10).

- 5 -

إن الناس في ميزان الولاء والبراء على ثلاثة أصناف، فأهل الإيمان والصلاح يجب علينا أن نحبهم ونواليهم. وأهل الكفر والنفاق يجب بغضهم والبراءة منهم، وأما أصحاب الشائبتين ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فالواجب أن نحبهم ونوليهم لما سهم من إيمان وتقوى وصلاح، وفي الوقت نفسه نبغضهم ونعاديهم لما تلبسوا به من معاصٍ وفجور. وذلك لأن الولاء والبراء من الإيمان، والإيمان عند أهل السنة ليس شيئاً واحداًلا يقبل التبعيض والتجزئة، فهو يتبعض لأنه شعب متعددة كما جاء في حديث الصحيحين في شعب الإيمان "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة، فإذا تقرر أن الإيمان شعب متعددة ويقبل التجزئة، فإنه يمكن اجتماع إيمان وكفر - غير ناقل عن الملة - في الشخص الواحد ودليله قوله تعالى: ((وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا .. )) فأثبت الله تعالى لهم وصف الإيمان، مع أنهم متقاتلون، وقتال المسلم كفر كما في الحديث: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، وفي الحديث الآخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»، فدل ذلك على اجتماع الإيمان والكفر - الأصغر - في الشخص الواحد.

يقول ابن تيمية:

«أما أئمة السنة والجماعة، فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم، فيكون مع الرجل بعض الإيمان، لا كله، ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم بحسب ما معه، كما يثبت له من العقاب بحسب ما عليه، وولاية الله بحسب إيمان العبد وتقواه، فيكون مع العبد من ولاية الله بحسب ما معه من الإيمان والتقوى، فإن أولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى: ((أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ)) " (11).

- 6 -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير