هذا هو الشاهد، فهو- صلى الله عليه وسلم- بايع جرير بن عبد الله على أن ينا صح المسلمين، وهذا هو الحبُ في الله، ويفارقُ المشركين، وهذا هو البغضُ في الله , تفارق المشركين بقلبك وقالبك، بقلبك بأن تبغضهم وتعاديهم كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله، وتفارقهم بجسدكَ كما سيأتي الإشارةُ إلى الهجرة، وهي الانتقالُ من دارِ الكفرِ إلى دارِ الإسلام، إذا لم يكن الشخص مستطيعاً أن يظهرَ دينهُ في بلاد الكفر، وكان قادراً على الهجرة؛ فإذا اجتمع الأمران تعيّنَ عليه الهجرة والانتقال من دارِ الكفر إلى دار الإسلام.
جاءَ في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- لما سألَ الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن آيات الإسلام، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: ((أن تقول أسلمت وجهي لله عز وجل وتخليت،وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم قال: كل مسلم على مسلم حرام أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشركٍ بعد ما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين)) [6].
فتأمل رحمك الله كيف أنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- جعل ذلك شرطاً في قبول العمل، ولا شكَّ أن هذا مقتضٍ البغضُ في الله لأعداء الله عز وجل، من الكافرين والمرتدين، قال الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله عليهم-: " فهل يتم الدين أو يقام علمُ الجهاد أو علمُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاَّ بالحبِ في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله، والموالاة في الله، ولو كان الناسُ متفقين على طريقةٍ واحدةٍ، ومحبةٍ من غيرِ عداوةِ ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحقِّ والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياءِ الرحمن وأولياء الشيطان " [7]
الحبُ في الله والبغض في الله من مكملات حبِّ الله عز وجل، وحب الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فإنَّ حبَّ الله وحبَّ الرسول من أعظم الفرائض والواجبات وآكدها، وفي المقابلِ فإنَّ بغضَ رسولهِ، أو بغضَ شيءٍ مما جاءَ عن الله، أو صحّ عن رسول الله، فهو من أنواعِ الردةِ والخروج عن الملة.
الناظرُ إلى واقع المسلمين الآن، يجدُ أنَّهم قد ضيّعوا هذا الأصل، فربما كان الحبُ من أجل شهوات، فيتحابون من أجل المال، ويتباغضون من أجل المال، ويتحابون من أجلِ القبيلة والعشيرة، ويتباغضون من أجلها، فإذا كان الشخصُ من قبيلتهم أحبوهُ، ولو كان كافراً، ولو كان تاركاً للصلاة مثلاً، والشخص يبغضونه إن لم يكن منهم، أو من عشيرتهم، ولو كان أفضلُ الناسِ صلاحاً و تقى، ورُبما حصل الحبُ من أجلِ وطنٍ أو من أجلِ قومية، وكلُ ذلك لا يجدي على أهلهِ شيئاً، ولا تنفع هذه الصلاة وتلك المودات؛ فلا يُبتغى بها وجهُ الله، ولا قيمةَ لها عند الله.
وقد أشارَ إلى هذا ابن عباسٍ حبرَ هذه الأمة وترجمان القرآن فيما معناه: " من أحبَّ في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله؛ فإنَّما تُنال ولايةُ الله بذلك " أي إذا أردت أن تكون ولياً من أولياء الله عليك بهذا الأمر.
ثُمَّ قال ابن عباس: " ولن يجد أحدٌ طعمَ الإيمان إلاَّ بذلك، وقد صارت عامة
مؤاخاة الناس لأجل الدنيا، وذلك لا يُجدي على أهله شيئاً "، وصدق- رضي الله عنه-، فهذا في كتاب الله عز وجل، قال تعالى: ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)) (البقرة:166).
قال ابن عباس ومجاهد: المراد بالأسباب هنا: المودات والصلات التي ليست لأجلِ الله تعالى " لماذا؟ لأنَّ الحبَّ في الله، والبغض في الله، يُرادُ به وجهُ الله، والله تعالى هو الباقي سُبحانه الدائم، فلهذا ما كان للهِ يبقى، أما ما لم يكن لله فهو يضمحلُ، فالشخصُ الذي يحبُ آخر من أجلِّ الدنيا هذه الرابطة تنتهي وتفني، وتتقطع وتجد أن هؤلاء يتعادون.
يقولُ شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: " والناس إذا تعاونوا على الإثمِ والعدوان أبغض بعضهم بعضاً، وإن كانوا فعلوا بتراضيهم، قال طاووس: " ما اجتمع رجلانِ على غير ذات الله إلاَّ تفرقا عن تقال، ... إلى أن قال: فالمخالة إذا كانت على غيرِ مصلحةِ الاثنين، كانت عاقبتها عداوة، وإنَّما تكون على مصلحتها إذا كانت في ذات الله " [8].
¥