تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعتُرِضَ: بأن سماع الموتى قد ثبت في غير هذه القصة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ .... » (87)، فقد أثبت في هذا الحديث سماع الموتى لقرع النعال، فدل على عدم اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وأجيب: بأن ما ورد في هذا الحديث مخصوص بأول الدفن عند سؤال الملكين وهو غير دائم، فلا يفيد عموم سماع الأموات في كل الأحوال والأوقات. (88)

القول الثاني:أن معنى الحديث إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن المشركين من قتلى بدر لما عاينوا العذاب بعد موتهم علموا أن ما كان يدعوهم إليه هو الحق، وأن هذا هو مراده صلى الله عليه وسلم، ولم يُرِدْ أنهم يسمعون كلامه وقت مخاطبته لهم.

وهذا مذهب عائشة رضي الله عنها، حيث ذهبت إلى تخطئة ابن عمر في روايته للحديث، وأنه لم يحفظه بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: «ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ» فَقَالَتْ: وَهَلَ (89)؛ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ». قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ، وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ»، إِنَّمَا قَالَ: «إِنَّهُمْ الْآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ»، ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} و {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}». (90)

القول الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك على جهة الموعظة للأحياء، لا لإفهام الموتى.

ذكره ابن الهمام وجهاً آخر في الجواب عن الحديث. (91)

أدلة القائلين بنفي سماع الأموات مطلقاً:

استدل القائلون بنفي سماع الأموات لكلام الأحياء بأدلة، منها:

الدليل الأول: أن في سياق آيتي النمل والروم ما يدل على أن الموتى لا يسمعون، وبيان ذلك أن الله تعالى قال في تمام الآيتين: {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} حيث شبه سبحانه موتى الأحياء من الكفار بالصم، والصم لا يسمعون مطلقاً، بلا خلاف، وهذا يدل على أن المشبه بهم، وهم الصم، والموتى، لهم حكم واحد، وهو عدم السماع، وفي التفسير المأثور ما يدل على هذا، فعن قتادة قال – في تفسير الآية -: «هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر، {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء} يقول: لو أن أصم ولّى مدبراً ثم ناديته، لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما سمع» (92). (93)

الدليل الثاني: أن عائشة، وعمر، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، فهموا الآيات على ظاهرها من نفي سماع الموتى مطلقاً، وفهمهم حجة، وهو دليل على أن الآيات صريحة في نفي سماع الأموات، ومما يؤيد صحة فهمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، ولم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطأهم على فهمهم هذا. (94)

الدليل الثالث: قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:13 - 14]، وهذه الآية صريحة في نفي السماع عن أولئك الذين كان المشركون يدعونهم من دون الله تعالى، وهم موتى الأولياء والصالحين، فدل على أن الموتى لا يسمعون مطلقاً. (95)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير