البيان التي هي من مهام الرسل جميعاً كما قال عز وجل:] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ
إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [(إبراهيم: 4) ويُوقِع التناقض بآية:] الكِتَابَ تِبْيَاناً
لِّكُلِّ شَيْءٍ [(النحل: 89).
إن كل الرافضين لحجية السنة لا بد أن يلتزموا بهذه النتيجة التي تعود
بالنقض على الإيمان بالكتاب، وبمن أنزل الكتاب جل جلاله سواء أقروا بلسانهم
بهذا النقض أم لا، وتنبهوا إلى ذلك أم لا!!
ومما هو جدير بالذكر أن بعض دعاة الفتنة وأدعياء العلم يتمسحون بإيمانهم
بالسنة البيانية، ثم يصفون قيمة تلك السنة بقولهم: «إنها للاستئناس لا للاستدلال، وللبيان لا للإثبات مما يجعل الآخذين بها والرافضين لها أمام الشرع على حد
سواء؛ فلا إلزام لأي طرف منهما على قبول رأي الآخر؛ فالآخذ بها فعله مقبول،
والرافض لها فعله مقبول كذلك» [13].
أما الشبهة الثانية: «أن السنة لو كانت حجة لتكفل الله بحفظها» فاحتجوا
لذلك بقوله تعالى:] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [(الحجر: 9) وقالوا: لو كانت السنة حجة ووحياً مثل القرآن لتكفل الله عز وجل بحفظها، كما تكفل
بحفظ القرآن الكريم.
وممن قال بتلك الشبهة الدكتور توفيق صدقي [14]، وإسماعيل منصور [15]،
وأيدهما جمال البنا [16] وفرقة أهل القرآن بالهند و باكستان [17]، والدكتور
مصطفى محمود قائلاً: «القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه
بنفسه من أي تحريف، وقال في محكم كتابه:] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ [(الحجر: 9) ولم يقل لنا رب العالمين إنه حفظ لنا كتاب
البخاري» [18].
ونقول رداً على ذلك: إن رب العزة قد تكفل بحفظ ما صح من حديث رسوله
صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك القرآن الكريم؛ فقد قال تعالى:] وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [(النحل: 44)، وقال تعالى:] إِنَّ عَلَيْنَا
جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [(القيامة: 17 - 19)، ففي الآيتين دليل على أن الله عز وجل قد تكفل أيضاً بحفظ السنة؛ لأن حفظ
المُبيَّن يستلزم حفظ البيان للترابط بينهما.
والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه
وسلم من قرآن أو سنة يبين بها القرآن، لقوله تعالى:] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [
(القيامة: 19) أي بيان القرآن. والبيان كما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم يكون
لأمته من بعده، وهو يكون للنبي صلى الله عليه وسلم بالإيحاء به ليبلغه للناس،
وهو المراد في الآية السابقة] وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ [(النحل: 44) فالسنة النبوية على هذا منزلة من عند الله عز وجل
(بوحي غير متلو).
وفي هذا رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور بأن البيان للذِّكر لم ينزل
مع الذكر (القرآن) وإلا لكان النص على نحو: «وأنزلنا إليك الذكر
وبيانه» [19].
ولو شغَّب مشاغب بأن هذا الخطاب: «علينا بيانه» متوجه إلى الله عز
وجل فقط دون الأمة وإلا قال عز وجل: «عليكم بيانه» لما أمكنه هذا الشغب في
قوله تعالى:] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [(القيامة: 17). فمن الذي جمع القرآن
الكريم؟ الله عز وجل بذاته المقدسة، كما زعم الدكتور مصطفى محمود في مقالاته
السابقة، أم قيض رب العزة لذلك رجالاً من خلقه، وعلى رأسهم من أنزل عليه
صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؟!
وفي ذلك رد على ما زعمه الدكتور إسماعيل منصور بأن حفظ الرجال للسنة
يجعلهم يتساوون مع الله عز وجل في القدرة بحفظه كتابه عز وجل فتستوي بذلك
قدرة الله وقدرة المخلوقين» [20].
إن في القرآن مجملاً كثيراً في العبادات من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج،
ومعاملات، وأخلاق .. إلخ وتولت السنة المطهرة بيان ذلك، فإذا كان بيانه عليه
الصلاة والسلام لذلك المجمل غير محفوظ، ولا مضمون سلامته مما ليس منه فقد
بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر شرائعه المفترضة علينا فيه، ولم ندرِ
¥