أولا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه في حياته ـ وهو من دلائل نبوته الكثيرة ـ ما سيقع من عائشة رضي الله عنها من وذلك المسير، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن وقوع ذلك منها غير محمود، فقال (أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب) ـ والحوأب: موضع ماء ـ رواه الإمام أحمد وغيره، غير أنها رضي الله عنها، لما تذكرت هذا الحديث وهمت بالرجوع، أشير عليها بالمضي في مسيرها، للإصلاح بين الناس، فترجحت لديها هذه المصلحة اجتهادا منها، وهي غير معصومة من الخطأ في الاجتهاد.
ثانيا: بأن الصحابة رضي الله عنهم خالفوا عائشة رضي الله عنها في مسيرها ذاك، كما ورد في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو بكره ومر آنفا، وقد نهاها عن ذلك المسير عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وأنكر عليها علي رضي الله عنه، وأم سلمة رضي الله عنها، وغيرهم من الصحابة، وبينوا لها إن اجتهادها لم يوافق الحق.
ثالثا: بأن عائشة رضي الله عنها نفسها قد ندمت على فعلها ذاك، وقد روى ابن سعد في الطبقات أنها كانت كلما ذكرت خروجها بكت حتى تبل خمارها.
رابعا: بأن وجود عائشة في الجيش كان أشبه بالثقل المعنوي الذي يقصد به التأثير على الناس، لانها أم المؤمنين، ولم تكن هي قائدة الجيش، ولاذات ولاية عامة، وإنما ذلك أمر ظنه أبو بكره رضي الله عنه، ويدل على هذا أنها همت بالرجوع في أثناء الطريق نادمة على خروجها، فقال الناس: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم) رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 52.
... الرد على احتج بوقائع تاريخية تولت فيها المرأة الولاية العامة
أولا: شجرة الدر:
ــــــــــــــــــــ
أما الاحتجاج بأن شجرة الدر ـ هي زوجة الملك الصالح أيوب من الملوك الأيوبية الذين حكموا مصر، وقد تولت سلطنة مصر عام 648هـ بعد وفاة زوجها ـ قد تولت الولاية العامة في التاريخ الاسلامي، فهو مردود عليه بما يلي:
1ـ أن هذه الحادثة تحكي واقعا، وليس الواقع دليلا شرعيا، فكم يقع في واقع المسلمين ما هو مخالف للشرع.
2ـ أن خليفة المسلمين العباسي أنكر على المصريين توليتهم شجرة الدر، فاشار القضاة والأمراء إلى تولية أحد الأمراء السلطنة وأن يتزوجها، لكنها اغتالته بعد الزواج منه، فقبض عليها ابنه فقتلها وذلك سنة 656هـ.
وهذا يدل على أن علماء الشريعة لم يوافقوا على توليها الولاية العامة.
ثانيا: بقليس:
ــــــــــــــــ
أما احتجاجهم بأن بلقيس تولت عرش اليمن وذكرها الله تعالى في القرآن، ولم يعب ذلك عليها، ولا على قومها.
فهو مردود عليه بأن القرآن العظيم إنما حكى واقعا تاريخيا عن قوم في جاهلية مشركين يعبدون الشمس قبل أن يدخلوا في الإسلام، وأي دليل في هذا على جواز تولي المرأة الولاية العامة في الشريعة الإسلامية، ثم إنها لما دخلت الإسلام تركت الولاية وأسلمت مع سليمان عليه السلام، وأسلمته ملك اليمن كله، والدليل على ذلك أن سليمان عليه السلام قال (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لاقبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) النمل 37، وهو دليل على أن سليمان عليه السلام إنما أراد أن تكون اليمن في ملكه الذي آتاه الله إياه، فتم له ما أراد بلا حرب، بأن أسلمت بلقيس ودخلت وجنودها في ملكه العظيم.
وعلى أية حال فإن شرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا جاء في شرعنا ما يخالفه، باتفاق العلماء، وقد دلت النصوص من القرآن والسنة على منع المرأة من الولايات العامة، وذلك ناسخ لكل شريعة كانت قبل شريعتنا التامة.
الدليل الخامس
ــــــــــــــــــ
ومن الأدلة أيضا على منع المرأة من تولي الولايات العامة إجماع العلماء، فقد أجمع علماء الأمة على ذلك، وتوالت جميع العصور الإسلامية على منع المرأة من تولي الولايات العامة، عملا بالنصوص الواردة في هذا الشأن، وقد قال الإمام ابن قدامه الحنبلي في المغني (ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأة قضاء، ولا ولاية بلد، فيما يبلغنا، ولو جاز لم يخل منه جميع الزمان غالبا) المغني والشرح الكبير 11/ 380
الدليل السادس
ــــــــــــــــــ
¥