تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقصود أن أولئك الذين صحبوه قبل الفتح اختصوا من الصحبة بما استحقوا به التفضيل علي من بعدهم، حتي قال لخالد: (لا تسبوا أصحابي)، فإنهم صحبوه قبل أن يصحبه خالد وأمثاله.

ولما كان لأبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من مزية الصحبة ما تميز به على جميع الصحابة، خصه بذلك في الحديث الصحيح، الذي رواه البخاري عن أبي الدرداء، أنه كان بين أبي بكر وعمر كلام، فطلب أبو بكر من عمر أن يستغفر له فامتنع عمر، وجاء أبو بكر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما جري، ثم إن عمر ندم، فخرج يطلب أبا بكر في بيته، فذكر له أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء عمر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لأبي بكر، وقال: (أيها الناس، إني جئت إليكم فقلت: إني رسول الله إليكم، فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟! فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟!)، فما أوذي بعدها. فهنا خصه باسم الصحبة، كما خصه به القرآن في قوله تعالي: / {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ذلك العبد ما عند الله)، فبكي أبو بكر، فقال: بل نفديك بأنفسنا؛ وأموالنا. قال: فجعل الناس يعجبون أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخي وصاحبي، سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر)، وهذا من أصح حديث يكون باتفاق العلماء العارفين بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وأحواله.

والمقصود أن الصحبة فيها خصوص وعموم، وعمومها يندرج فيه كل من رآه مؤمنًا به، ولهذا يقال: صحبته سنة، وشهرًا، وساعة، ونحو ذلك.

و [معاوية وعمرو بن العاص وأمثالهم] من المؤمنين، لم يتهمهم أحد من السلف بنفاق، بل قد ثبت في الصحيح أن عمرو بن العاص لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم قال: علي أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي. فقال: / (ياعمرو، أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله)، ومعلوم أن الإسلام الهادم هو إسلام المؤمنين، لا إسلام المنافقين.

وأيضًا فعمرو بن العاص وأمثاله ممن قدم مهاجرًا إلي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية هاجروا إليه من بلادهم طوعًا لا كرهًا، والمهاجرون لم يكن فيهم منافق، وإنما كان النفاق في بعض من دخل من الأنصار؛ وذلك أن الأنصار هم أهل المدينة، فلما أسلم أشرافهم وجمهورهم، احتاج الباقون أن يظهروا الإسلام نفاقًا؛ لعز الإسلام وظهوره في قومهم. وأما أهل مكة فكان أشرافهم وجمهورهم كفارًا فلم يكن يظهر الإيمان إلا من هو مؤمن ظاهرًا وباطنًا؛ فإنه كان من أظهر الإسلام يؤذي ويهجر، وإنما المنافق يظهر الإسلام لمصلحة دنياه. وكان من أظهر الإسلام بمكة يتأذي في دنياه، ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلي المدينة هاجر معه أكثر المؤمنين، ومنع بعضهم من الهجرة إليه، كما منع رجال من بني مخزوم مثل الوليد بن المغيرة أخو خالد أخو أبي جهل لأمه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت لهؤلاء ويقول في قنوته: (اللهم نج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك علي مضر، واجعلها عليهم سنينًا كسني يوسف). والمهاجرون من أولهم إلي آخرهم ليس فيهم من اتهمه أحد بالنفاق، بل كلهم مؤمنون مشهود لهم بالإيمان، ولعن المؤمن كقتله).

/وأما [معاوية بن أبي سفيان] وأمثاله من الطلقاء الذين أسلموا بعد فتح مكة؛ كعكرمة ابن أبي جهل، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، هؤلاء وغيرهم ممن حسن إسلامهم باتفاق المسلمين، ولم يتهم أحد منهم بعد ذلك بنفاق. ومعاوية قد استكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير