تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء (8\ 156) عن الشافعي أنه قال: «الليث أفقه من مالك، ولكن الخطوة لمالك». وقال: «الليث أتبع للأثر من مالك». وفي تاريخ بغداد (2\ 298) عن أحمد بن حنبل قال: «كان ابن أبي ذئب ثقة صدوقاً، أفضل من مالك بن أنس». وفي (2\ 175) عن يحيى بن صالح قال: «محمد بن الحسن –فيما يأخذه لنفسه– أفقه من مالك». وفي (9\ 164) عن علي بن المديني قال: سألت يحيى بن سعيد قلت له: «أيما أحب إليك، رأي مالك أو رأي سفيان؟». قال: «سفيان! لا يُشَكُّ في هذا ... سفيان فوق مالك في كل شيء، يعني في الحديث وفي الفقه وفي الزهد». وفي (2\ 301) أن شامياً سأل الإمام أحمد: «من أعلم، مالك أو ابن أبي ذئب؟». فقال: «ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك، وابن أبي ذئب أصلح في دينه وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين. وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر، فلم يهبه أن قال له الحق. قال: "الظلم فاشٍ ببابك". وأبو جعفر: أبو جعفر (يقصد في ظلمه وبطشه، حتى أنه قتل عمه)».

وفي تهذيب التهذيب (8\ 415): قال يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: «ما فاتني أحدٌ فأسفت عليه ما أسفت على الليث وابن أبي ذئب». وقال أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: سمعت الشافعي يقول: «الليث أفقه من مالك، إلاّ أنّ أصحابه لم يقوموا به». وقال أبو زرعة الرازي: سمعت يحيى بن بكير يقول: «الليث أفقه من مالك، ولكن الحظوة لمالك». وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: «الليث أتبع للأثر من مالك». وفي طبقات المحدثين بأصبهان (1\ 406): عن الربيع عن الشافعي قال: «كان الليث بن سعد أفقه من مالك بن أنس، إلا أنه ضيعه أصحابه». قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (2\ 11): «فهذان صاحبا مالك رحمه الله (الشافعي ويحيى) ـ وقد شهدا بما شهدا. وهما بالمنزلة المعروفة من الإتقان والورع وإجلال مالك ومعرفتهما بأحواله».

لم يكن الإمام مالك معروفاً في العهد الأموي الذي عاش فيه ما يقارب الأربعين عاماً، لكنه عُرِفَ أثناء خلافة المنصور الخليفة العباسي حينما اشتد الخلاف بين أهل الرأي في الكوفة (مذهب أبو حنيفة ومذهب الثوري) وبين أهل المدينة (أساتذة مالك). ومن الملاحظ أن الداهية المنصور قد استغل –في أوائل خلافته– النزاع الفكري الذي حدث بين أهل العراق وأهل المدينة، فأخذ يقوي جانب العراقيين ويشد أزر الإمام أبي حنيفة وأصحابه ويستغل الموالي، ليحط بذلك أنفة العرب، وخصوصاً المدنيين منهم الذين كانوا يصرحون بعدم شرعية خلافة بني العباس.

وقد عاش الإمام مالك مستمتعاً بزينة الحياة الدنيا التي أحلها الله لعباده والطيبات من الرزق، نائيا بنفسه عن السياسة، راغبا عن مصاولة الحكام وإن كانوا ظالمين حتى لقد أفتى بوجوب الطاعة للحاكم حتى إن كان ظالماً. وعلى هذا سار أيام الأمويين، ثم في دولة العباسيين ... يحاول جهده أن يكون على الحياد.

وبعد أن نجح المنصور في إخماد ثورة "النفس الذكية"، قام واليه بضرب مالك بسبب فتوى مالك للناس أثناء الثورة، ببطلان طلاق المكره. وكان المنصور قد أخذ البيعة على الناس لنفسه بالإكراه وحلف الناس بالطلاق إن نكثوا. ففهم والي المدينة جعفر بن سليمان عمّ المنصور العباسي فتوى مالك على أنها تحريض على نقض عهدهم، فأمر بضربه بالسياط. مما أثار سخط الناس على الخليفة، فهذا عالم يلتزم الحياد، ينأى بنفسه عن السياسة ودوران دولاتها، ويعكف على العلم. فإذا بالدولة بكل قوتها تبطش به!

فلما بلغ هذا المنصور خاف من عواقب هذا الأمر، فادعى أن ضرب مالك لم يكن بأمره! وبعد أن قام بإخماد ثورة أهل المدينة، رأى أن يتودد إليهم عن طريق عالم معتدل، فوقع اختياره على مالك. فلما ورد المدينة رحّب بمالك وأدناه وأجلسه إليه. فلما وجد استجابة من مالك، أعجب المنصور بذلك، وعرض عليه إجبار عامة المسلمين في كل البلاد على اعتناق مذهبه، لأنه يريد بذلك التخلص من فقهاء العراق المعارضين له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير