تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان مالك كثير السخرية من خصومه، قليل الرد على أدلتهم. جاء في سير أعلام النبلاء (8\ 105): أن أبا خُلَيْدٍ قال لمالك: «إن أهل دمشق يَقْرَؤُونَ (في القرآن) إِبْرَاهَامُ». فقال مالك: «أهلُ دمشق بأكلِ البَطّيخِ أعلمُ منهم بالقراءة»!! قال له: أبو خليد: «إنهم يَدَّعُوْنَ قراءة عثمان». قال مالك: «فهذا مصحَفُ عثمان عندي» (أي عنده نسخة منه وليس الأصل). ودعا به، ففُتِحَ، فإذا فيه إِبْرَاهَامُ، كما قال أهل دمشق. اهـ. فهكذا يسخر مالك من قراءة متواترة للقرآن الكريم، دون أن يُكلّف نفسه بقراءة المصحف الذي في بيته (مع أن عمه كان مقرئاً)!

وقراءة "إبراهام" بدلاً من "إبراهيم" هي قراءة صحيحة متواترة. وهي قراءة ابن عامر، شيخ قراء أهل الشام. جاء في "حجة القراءات" (1\ 113): «قرأ ابن عامر إبراهام بألف ... وحُجَّته في ذلك: أن كل ما وجده (في مصحف عثمان) بألف قرأ بألف، وما وجده بالياء قرأ بالياء، اتباع المصاحف. واعلم أن "إبراهيم" اسمٌ أعجمي دخل في كلام العرب. والعرب إذا أعربت اسماً أعجمياً، تكلمت فيه بلغات. فمنهم من يقول "إبراهام" ومنهم من يقول "أبرهم"». ولم يتفرد عثمان بن بهذه القراءة، بل تبعه غيره كذلك. جاء في فتح القدير (5\ 425): «وقرأ أبو?عفان موسى وابن الزبير إبراهام بألفين». وفي روح المعاني (30\ 111): «وقرأ أبو موسى الأشعري وابن الزبير إبراهام بالغين في كل القرآن».

كما عيب على مالك قلة اطلاعه على أقوال غير المدنيين، وكثرة زعمه الإجماع، فما اختلف فيه الناس كثيراً. قال ابن حزم في "الإحكام" (4\ 565): «وهذا مالك يقول في موطئه: "إذ ذكر وجوب رد اليمين على المدعي إذا نكل المدعى عليه". ثم قال: "هذا ما لا خلاف فيه عن أحد من الناس، ولا في بلد من البلدان"!! قال أبو محمد: "وهذه عظيمةٌ جداً! وإن القائلين بالمنع من رد اليمين، أكثر من القائلين بردّها". ونا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن القاسم قال نا مالك: "ليس كل أحد يعرف أن اليمين ترد". ذكر هذا في كتاب السرقة من المدوّنة».

وخالف مالك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي رواها في موطئه، زعماً أنها مخالفة لإجماع أهل المدينة. وتتبع ذلك ابن حزم في رسالته في الرد على إجماع أهل المدينة في "الإحكام" (2\ 222)، وبَيَّنَ فيه أنه ليس من حديث ردوه إلا وقد عمل به أحدٌ من أهل المدينة. وبيّن كذلك بطلان كل أدلة الاحتجاج بعمل أهل المدينة عقلاً وشرعاً. وعلى النقيض من ذلك، كان مالك كثير المخالفة لإجماعات المسلمين، برأيه. وقد أحصى عليه الإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهَري في كتابه "نوادر الفقهاء" 77 مسألة خالف بها مالك إجماع سائر المسلمين. وهذا أكبر عدد من المسائل الشاذة لأي فقيه ذكره الجوهري في كتابه. وما ذاك إلا لاعتماده للرأي وكرهه لمناقشة الأدلة. كما أنه --من باب أولى- قد خالف فقهاء المدنيين، كما بين الشافعي في "كتاب اختلاف مالك والشافعي" مطبوعة مع "الأم" (7\ 191 - 269).

ورد مالك للحديث الصحيح بدعوى مخالفة عمل أهل المدينة، أمر نص عليه. قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب في كتابه "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": «نص مالك في كتاب الجامع من العتبية وغيره على مخالفة نص الحديث الصحيح إذا كان العمل بخلافه».

واشترط جمهور المالكية للعمل بالحديث الصحيح أن لا يَكُوْن مخالفاً لعمل أهل المدينة. وَقَدْ فند أدلتهم ابن حزم من وجوه حاصلها:

1 - إن الخبر المسند الصَّحِيْح قَبْلَ العمل بِهِ، أحق هُوَ أم باطل؟ فإن قالوا: حق، فسواء عمل بِهِ أهل المدينة أم لَمْ يعملوا، لَمْ يزد الحقَ درجةً عملُهُم بِهِ وَلَمْ ينقصه إن لَمْ يعملوا بِهِ، وإن قالوا باطل، فإن الباطل لا ينقلب حقاً بعملهم بِهِ، فثبت أن لا معنى لعمل أهل المدينة أو غيرهم.

2 - العمل بالخبر الصَّحِيْح متى أثبت الله العمل بِهِ، أقبل أن يعمل بِهِ أم بَعْدَ العمل بِهِ؟ فإن قالوا: قَبْلَ أن يعمل بِهِ، فَهُوَ كقولنا. وإن قالوا: بَعْدَ أن يعمل بِهِ، لزمهم عَلَى هَذَا أن العاملين بِهِ هم الَّذِيْنَ شرعوا الشريعة، وهذا باطل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير