تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - نقول: عمل من تريدون؟ عمل أمة مُحَمَّد r كافة، أم عمل عصر دُوْنَ عصر، أم عمل رسول الله r، أم أبي بكر، أم عمر، أم عمل صاحب من سكان المدينة مخصوصاً؟ فإن قالوا: عمل الأمة كلها، فَلاَ يصح. لأن الخلاف بَيْنَ الأمة مشتهر، وهم دائمو الرد عَلَى من خالفهم. فلو كَانَتْ الأمة مجمعة عَلَى هَذَا القول، فعلى من يردون؟! وإن قالوا: عصر دُوْنَ عصر، فباطل أيضاً، لأنَّهُ ما من عصر إلا وقَدْ وجد فيه خلاف، ولا سبيل إِلَى وجود مسألة متفق عَلَيْهَا بَيْنَ أهل عصر.

4 - ونقول لَهُمْ: أهل المدينة الَّذِيْنَ جعلتم عملهم حجة رددتم بِهَا خبر المعصوم، اختلفوا فِيْمَا بَيْنَهُمْ أم لا؟ فإن قالوا: لا، فإن الموطأ يشهد بخلاف هَذَا. وإن قالوا: نعم، قُلْنَا: فما الَّذِي جعل اتباع بعضهم أولى من بَعْض.

كما رد عليهم بعجزهم عن تعريف المقصود بعمل أهل المدينة. إذ أن كثيراً من تلك المسائل التي زعموا عمل أهل المدينة عليها، فيها خلاف بين فقهاء المدينة. قال ابن حزم: «ذهب أصحاب مالك إلى أنه لا يجوز العمل بالخبر حتى يصحبه العمل». قال علي: «وهذا من أفسد قول وأشده سقوطاً. فأول ذلك: أن هذا العمل الذي يذكرون، قد سألهم من سَلَفَ من الحنفيين والشافعيين وأصحاب الحديث من أصحابنا منذ مئتي عام ونيف وأربعين عاماً: "عمل من هو هذا العمل الذي يذكرون؟ ". فما عرفوا عمل من يريدون! ولا عجبَ أعجبُ من جهل قومٍ بمعنى قولهم وشرح كلامهم».

ومع ذلك فقد رفعه أتباعه لمرتبة كبيرة جداً، وبالغوا في ذكر علمه ومعرفته. يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء (8\ 76): عن ابن وهب سمعت مالكاً وقال له ابن القاسم: «ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر». فقال مالك: «من أين علموا ذلك؟». قال: «منك يا أبا عبد الله». فقال: «ما أعلَمُها أنا، فكيف يعلمونها بي؟!».

وكانت له فتاوى غريبة، أنكرها عليه علماء عصره. فقد أفتى بأن الحمل قد يستمر في بطن أمه ثلاث سنوات. ولقد سخر منه بعض خصومه وزعموا أنه يشجع على الفساد نساء غير صالحات من المطلقات أو ممن يغيب أو يموت عنهن الأزواج. جاء في المحلى (10\ 132): «وذهب الإمام مالك إلى أن أقصى مدة الحمل سبع سنين! فلو طلَّق الرجل امرأته أو مات عنها، فلم تنكح زوجاً آخر، ثم جاءت بولد بعد سبع سنين من الوفاة أو الطلاق، لحقه الولد، وانقضت العدة به!».

وهذا قولٌ شنيعٌ مخالفٌ للنقل والعقل معاً، ومخالف للثابت من العلم. فقد قال الله عز وجل (وهو أدرى بخلقه): { ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ... } (15) سورة الأحقاف. طالما أن مجموع الحمل والفصال هو ثلاثين شهراً (سنتين ونصف) فمدة الحمل أقل من ذلك قطعاً. فمن ادعى مدة حمل أكثر من ذلك فقد رد كلام الله عز وجل، والعياذ بالله. وقد قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... } فبعد ذلك إن بقيت المرأة ترضع ولدها فليست تلك من الرضاعة الشرعية. ولا يشك عاقل أن الآية عامة تشمل كل الحالات. وما كان ربك نسياً. ومنها استنتج الفقهاء بأن أقصر مدة للحمل هي ستة أشهر، ونقلوا الإجماع على ذلك. فكيف يصدق بعض الفقهاء نسوة جاهلات في أن مدة الحمل لوحدها قد تجاوزت الثلاثين شهراً وبلغت سنين طويلة؟! مع أن الأولى أن يحمل قولهن على الحمل الكاذب، وهو معروفٌ لدى الأطباء ومشهور. والثابت القطعي في الطب الحديث استحالة ولادة طفل حي بعد العشرة أشهر. فلله در ابن حزم حين قال: «فمن ادعى حملاً وفصالاً في أكثر من ثلاثين شهراً، فقد قال بالباطل والمُحال، وردّ كلامَ اللهِ عزَّ وجلَّ جهاراً». وأما نحن فنصدق الله عز وجل ونكذب من قال غير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير