تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثانية: هي الاختلاف الكبير الذي ذكره بعض أهل العلم في نسب ذي أصبح.

ويبدو أن الشيخ لم يحرر المراد بالاختلاف في نسب ذي أصبح، فتداخلت عنده المسألتان، فاستدل بما جاء في الثانية ليثبت دعوى الاختلاف الكبير في الأولى، كيف ذلك؟ إليكم الإيضاح.

بالنسبة للمسألة الأولى: فالصحيح الذي عليه علماء النسب ممن كان في زمن الإمام أو ممن جاء بعده، وما عليه جماعة أهل العلم الذين ترجموا للإمام رحمه الله؛ أن الإمام عربي أصبحي، إلا شيئا يذكر عن محمد بن إسحاق- رحمه الله-.

قال ابن عبد البر في الانتقاء ص 11بعد أن ذكر نسب الإمام إلى ذي أصبح عن بعض أهل العلم): هذا لا أعلم أن أحدا أنكر أن مالكا و من ولده، كانوا حلفاء لبنى تيم بن مرة من قريش، ولا خالف فيه أحد إلا أن محمد بن إسحاق زعم أن مالكا وأباه وجده وأعمامه موالى لبنى تيم بن مرة وهذا هو السبب لتكذيب مالك لمحمد بن إسحاق وطعنه عليه).

ثم جاء القاضي عياض – رحمه الله- ففصل الأمر ووضحه توضيحا، فقال: (لم يختلف العلماء بالسير والخبر والنسب في نسب مالك هذا، واتصاله بذي أصبح، إلا ما ذكر عن ابن إسحاق وبعضهم، من أنه مولى لبنى تيم، وسنبين وهم من قال ذلك، والعلة التي من أجلها تطرق الوهم إليهم).

ثم بعد أن بين القاضي وهما وقع للحاكم- رحمه الله- في نسب الإمام قال: (وأما من زعم أنه مولى تيم فدخل الوهم عليه إذ وجده ينتمي إليهم ويحسب في عدادهم، بسبب حلفه معهم، وإلا فنسبه في ذي أصبح صحيح، ذكر ذلك غير واحد من زعماء قريش ونسابها، وغيرهم من أهل العلم؛ كمحمد بن عمران لطلحي ..... ). وذكر قرابة عشرين عالما ونسابا، ثم قال (ومن لا ينعد كثرة، بل كل من ذكر نسبه، ولم يتابع أحد منهم ابن إسحاق على قوله ممن جاء بعده، بل بينوا وجه وهمه).المدارك 1/ 106 - 108.

وهذا الإمام الذهبي يسير على نفس الوتيرة ويقول: (في نسب مالك اختلاف، مع اتفاقهم على أنه عربي أصبحي).هذه عبارة الذهبي في السير8/ 64.

المسألة الثانية: وهي بيان المقصود بالاختلاف في نسب الإمام الذي ذكره الذهبي في عبارته المتقدمة، وما نقله الذهبي عن القاضي عياض من أن في نسب ذي أصبح اختلافا كثيرا، وأورده الشيخ محمد الأمين، محتجا به على إثبات الاختلاف الكبير في نسب الإمام مالك.

قلت: المراد بالاختلاف واضح جلي لمن تأمله وهو الاختلاف على اسم ذي أصبح واسم أبيه، وتعداد أسماء آبائه حتى قحطان، والاختلاف في ضبط بعض الأسماء الواردة في سلسلة النسب.

قال الذهبي: (في نسب مالك اختلاف، مع اتفاقهم على أنه عربي أصبحي، فقيل في جده الأعلى: عوف بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وإلى قحطان جماع اليمن. ولم يختلفوا أن الأصبحيين من حمير، وحمير من قحطان. نعم وغيمان في نسبه مشهور بغين معجمة، ثم بآخر الحروف على المشهور، وقيل عثمان على الجادة وهذا لم يصح. وخثيل: بخاء معجمة ثم بمثلثة قاله ابن سعد وغيره، وقال إسماعيل بن أبي أويس والدار قطني: جثيل بجيم ثم بمثلثة وقيل حنبل، وقيل حسل وكلاهما تصحيف. قال القاضي عياض- والنقل للذهبي-: اختلف في نسب ذي أصبح اختلافا كثيرا).هذا كلام الذهبي في السير 8/ 64 وهو واضح في مراد الذهبي في بالاختلاف.

ويزيد الأمر وضوحا بالرجوع إلى القاضي عياض الذي نقل عنه الذهبي العبارة المتقدمة، وكتابه موجد بين أيدينا قد طبع طبعتين أو أكثر.

أورد القاضي عياض في المدارك نسب الإمام مالك إلى ذي أصبح، ثم ذكر بعض ما قيل من الاختلاف في ضبط بعض الأسماء الواردة في سلسلة النسب ثم قال: (وأما ذو أصبح فقد اختلف في نسبه اختلافا كثيرا، فقال الزبير: ذو أصبح بن سويد ...... وقال غيره: ذو أصبح الحارث بن عوف ......... وقيل ذو أصبح بن مالك ......... وقيل: هو ابن مالك ..... ) واستمر في ذكر الأقوال، ثم قال: (هذا ما ذكر في نسب ذي أصبح من الخلاف، ولا خلاف أنه من ولد قحطان).ترتيب المدارك 1/ 111 - 112 من طبعة المغرب.

أظن أن الأمر قد وضح، وظهر كيف دخل الوهم على الشيخ محمد الأمين، فاحتج بالاختلاف الوارد في المسألة الثانية، حول نسب ذي أصبح ليثبت المسألة الأولى وهي الاختلاف بل الاختلاف الكبير في نسب الإمام مالك، وبالتالي لا يحق للإمام أن يتكلم في ابن إسحاق لأن المسألة فيها اختلاف كبير.

هذا ما أردت إيضاحه في الكلام حول نسب الإمام مالك رحمه الله تعالى، وبقيت بعض الأمور شكلية تتعلق بكلام الشيخ محمد من خطأ في رقم صفحة، وتداخل في النقل، وحشر لمن لا ينبغي ذكره في هذه المسألة، والكلام حول ما بين الإمامين مالك وابن إسحاق، وكذا القاضي سعد ابن إبراهيم- رحمه الله- وذلك لنصيحة أهل العلم لنا بأن كلا م الأقران يطوى ولا يروى. وقبل أن أنتقل من هذه المسألة إلى غيرها أحب أن أذكر ما يعزز كلام أهل العلم حول ما أشرت إليه أنفا من أن كلام الأقران يطوى ولا يروى، وفيه بشرى لأهل الحديث، وبيان لحسن سريرة أئمتنا الذين بهم نفخر.

قال الإمام ابن حبان في كتاب الثقات له 7/ 381 - 382: (وقد تكلم في ابن إسحاق ............. أما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة، ثم عاد له إلى ما يحب، وذلك أنه لم يكن ..... ) وذكر سبب النزاع بينهما، ثم قال: (وكان بينهم ما يكون بين الناس، حتى عزم محمد ابن إسحاق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ، فأعطاه مالك عند الوداع خمسين دينارا نصف ثمرته تلك السنة ...... ).

هذا حال أئمتنا فما دخولنا بينهم – رحمهم الله-.

يتبع- إن شاء الله-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير