ثم ذكر الشيخ مسألة اتهام الإمام باللحن في العربية، وقد أجاب عنها الأخ- كلمات- فأحسن وأطنب في ذلك- بارك الله فيه- ولى تكملة على كلامه حفظه الله، في نقطتين
الأولى: قال السيد كلمات إنه لم يقف على الرواية التي ذكرها الكوثري من كتاب – اللحنة- للمبرد، قلت: ذكرها الشيخ محمد الأمين في مقاله، وهذا نصه: و قال الكوثري الهالك في "تأنيب الخطيب" (ص27): «أن المبرَّد ذكر في كتاب "اللُّحْنَةَ" عن محمد بن القاسم عن الأصمعيّ قال: دخلت المدينةَ على مالك بن أنس فما هِبْتُ أحداً هيبتي له، فتكلّم فَلَحَنَ، فقال: مُطِرْنا البارَحةَ مَطَراً أي مَطَراً، فَخَفّ في عيني. فقلت: يا أبا عبد الله، قد بَلَغْتَ من العلم هذا المبلغَ فَلَو أصلحتَ من لسانك. فقال: فكيفَ لو رأيتمُ ربيعةَ؟ كُنّا نقول له: كيف أصبحت؟ فيقول: بخيراً بخيراً. قال (الأصمعي): وإذا هو (مالك) قد جعلَهُ (جعل ربيعة) لنفسه قدوةً في اللّحْنِ وعذْراً».
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي- رحمه الله- في التنكيل 1/ 283 مفندا لهذه الحكاية: (أقول: هذه الحكاية منكرة عن الأصمعي، فلينظر من حكاها عن كتاب المبرد وعلى فرض ثبوتها عن المبرد ففيه كلام معروف، ومحمد بن القاسم التمائمي لم أعرفه، ولعله محمد بن القاسم اليمامي وهو أبو العيناء، أصله من اليمامة، وليس بثقة قد اعترف بوضع الحديث، فما بالك بالحكايات.
ومما يدل على بطلان هذه الحكاية أمور.
الأول: أن الأصمعي كان من أشد الناس توقيرا لأئمة السنة.
الثاني: أنه كان مبجلا لمالك حتى روي عنه أنه كان يفتخر بأن مالكا روى عنه.
الثالث: أن فيها قرن مالك بشيخه ربيعة، وهذا يدل على تحري الطعن في أهل المدينة، وليس ذلك دأب الأصمعي، إنما هو دأب أصحاب الرأي.
الرابع: أن اللحن الذي تضمنته الحكاية خارج عن المعتاد، فإن العامة فضلا عن العلماء يقفون بالسكون، وهذا كله يدل أن هذه الحكاية فرية قصد بها الغض من علماء أهل المدينة).
والنقطة الثانية: وهي من باب النصح للشيخ – بارك الله فيه- فلو التفت إلى قلمه حين يكتب لئلا يوقعه في مز الق هو في غنى عنها، فقد رأيت له عدة أخطاء لا يقع فيها صغار الطلبة من أمثالنا، ولعل ذلك كان سبق قلم من الشيخ حفظه الله، أو من الناسخ، مثال ذلك في هذا المقال خاصة قوله: حملته في بطنها ثلاثة سنين! وقوله: حيث لم يُذكر شيئاً عن، وقوله: مالك كان متهماً باللحن بالعربية. وقوله: «كان عطاء بن أبي رباح أسوداً ضعيف العقل»!!، وقوله: حيث قالوا أنه مكتوب على، وقد كرر الشيخ فتح همزة إن بعد القول كثيرا، والواجب الكسر كما هو معروف، وقوله: وليس المقصود بأن مالك هو أحفظ الناس.
يتبع-إن شاء الله-.
ـ[كلمات]ــــــــ[17 - 06 - 04, 04:36 ص]ـ
اطلعت على ما ذكره الأخ ابن وهب مشكورًا.
وألفت انتباه الأخ الكريم أن مدار ردي كان عن قضية اللحن عند مالكٍ خاصة، لا عند جميع الناس كما ناقشت في كلامك مشكورًا.
ثم يا أخي الكريم قد عبتَ عليَّ التفريق في المسألة بين عصرنا وعصر مالكٍ، وألفت انتباهك إلى ما أشرتُ له في كلامي السابق: أن الألسن في عصر مالكٍ لم تكن هزيلة كما هو الحال في عصرنا، فإذا قلنا: فلانٌ يلحن، فلابد من النظر إلى ملابسات ذلك، ومعناه في عصره، وإلا فهل يستوي مثلاً سباق الخيل في عصرنا مع سباق الخيل في العصور الماضية، وهذا وذاك اسمه: سباق الخيل، ولاشك أنك خبير أن السباق في العصور الماضية لم يكن قائمًا على ما يعتريه من ملابسات ومحرمات في عصرنا، فاختلف حكم الأمرين بناءً على اختلاف الزمان.
وانظر كيف اعتبر الفقهاء في فتواهم بالزمان والمكان، وكلام ابن القيم رحمه الله في الإعلام جميل في هذا الباب؛ وأنت أعلم به مني بلاشك.
وبناءً على ذلك أخي جرت المعركة بين السيوطي والسخاوي رحمه الله، وكان هذا الأمر بعينه هو السبب في تأليف السيوطي لكتابه: تنزيه الأنبياء عن تنزيه الأغبياء.
والأمثلة على ذلك كثيرة مشهورة لكم بارك الله فيكم.
ولذا كان لابد في تفسير قضية اللحن عند مالكٍ: أن ننظر فيها من هذه الحيثية، وأن نعتبر عصر مالكٍ ولسان عصره وقومه.
والمطلع على مقال الأخ الأمين يعلم أن الناس ستفهم المراد وتفسره بناءً على معناه في أزمنتنا هذه.
فكان لابد بالرجوع به إلى نصابه الصحيح.
¥