ثاني عشر: ما أخرجه الطحاوي (2/ 286) من حديثه عن علي بن عبد الرحمن قال ثنا عفان بن مسلم وسعيد بن أبي مريم قالا حدثنا السري بن يحيى قال ثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي قال ثم جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر حتى عرفنا ذلك فيه وأنكر لذلك وجاء آخر يحرك بيديه فقال ما عندك يا سلخ العقاب وصاح أبو عثمان صيحة تشبه بها صيحة عمر حتى كربت أن يغشى علي قال رأيت أمرا قبيحا قال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأمة محمد فأمر بأولئك النفر فجلدوا.
كذا رواه علي بن عبد الرحمن وهو صدوق وخالفه فهد بن سليمان المصري وهو ثقة كما في شرح معاني الآثار أيضا (2/ 286) قال ثنا بن أبي مريم قال أنا محمد بن مسلم الطائفي قال ثنا إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب قال ثم شهد على المغيرة أربعة فنكل زياد بن أبي سفيان فجلد عمر بن الخطاب الثلاثة واستتابهم فتاب الإثنان وأبى أبو بكرة أن يتوب فكان يقبل شهادتهما حين تابا وكان أبو بكرة لا تقبل شهادته لأنه أبى أن يتوب وكان مثل التصوم من العبادة.
فجعله من حديث ابن المسيب عن عمر، وهو الصواب لأمور:
الأول: أن حال علي بن عبد الرحمن لا يؤهله للحمل عن اثنين من كبار المحدثين الثقات مثل عفان وابن أبي مريم ولهما أصحاب ومن يجمع حديثهما كما هو معلوم من ترجمتيهما، والعلماء رحمهم الله تعالى لا يمررون الجمع عن راويين إلا للثقات الحفاظ الكبار، وفهد بن سليمان أوثق منه.
الثاني: أنه قد ذكر ألفاظا في الحديث لم يزكرها غيره كسبه لمن أتاه يشهد.
الثالث: أنه ذكر إسنادا مصريا فردا ولم يتابع عليه بل خولف فيه.
الرابع: أنه أبهم ذكر من شهدوا كلهم وهذه مخالفة بينة.
أقول: وتلك الطرق السالفة الذكر كما رأيت ما هي إلا أسانيد منفردة منكرة شاذة، لا ترفع حكما ولا تضعه، قصاراها إن سلمت من المخالفة والشذوذ والنكارة أن تصلح في الشواهد والمتابعات، أما أن تكون رافعة لعدالة صحابي متيقنة الثبوت والدلالة بنص القرآن الكريم والسنة النبوية فلا.
الجهة الثانية:
أن تزكية أبي بكرة رضي الله عنه تزكية يقينية الثبوت والدلالة فإنها ثابتة بنص القرآن حيث زكى الله تعالى جميع الصحابة فقال:) رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ (، وثابتة بنص السنة حيث زكى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ووصى بهم وحث على الإقتداء بهم، والحديث الذي فيه أنه جلد وخرج عن حد العدالة اليقينية لو قلنا أنه صحيح لما مشى على قانون أهل الأصول لأنه سيكون آحادا ظني الثبوت لما رأيت في أسانيده، والدلالة للخلف في لفظ أمه هل يعود على إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أم على أبي بكرة نفسه أو الإبهام في من شهدوا عند عمر في حديث أبي عثمان النهدي هذا إن صح -، والظني لا يقضي على القطعي.
الجهة الثالثة:
أن العلماء اعتمدوا مرويات أبي بكرة رضي الله عنه وخرجوها في الصحاح والسنن والمسانيد وهذا يحتمل أمرين:
1 - إما أن جلد أبي بكرة صحيح وثابت عندهم.
2 – وإما أن جلد أبي بكرة لا يثبت كما حققنا وردوها وما اعتمدوها.
وعلى كلا التقديرين فإنهم احتجوا به وبمروياته وخير السبيل سبيلهم وأحسن الطريق طريقهم، فمن رام غير طريقهم فأبعده الله تعالى.
الجهة الرابعة:
أن إجماع الأمة من المحدثين والفقهاء والأصوليين قد قام على الأخذ بما جاء به أبي بكرة رضي الله عنه والإحتجاج بمروياته فمن زعم غير ذلك فقد خالفهم:
يقول الإمام ابن حزم في محلاه (9/ 433): ما سمعنا أن مسلما فسق أبا بكرة ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين وبالله تعالى التوفيق.
الجهة الخامسة:
أن العلماء رحمهم الله تعالى قد عرفوا الصحابي بأنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مؤمنا به ومات على ذلك وإن تخللته ردة على الصحيح.
والقذف لو افترضنا صحته أقل من الكفر فوجب أن يكون صحابيا كما هو وإذا كان صحابيا فقد تحققت عدالته ولا انفصام بين الأمرين، فمن زعم أن رجلا صح وصفه بالصحبة ثم حكم بانتقاض عدالته فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة.
الجهة السادسة:
¥