تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرسول الأكرم فصلى العيد ورخص في الجمعة، ولم يرد أنه أمرهم بالظهر لأنه لم

يثبت ذلك وهاك النصوص:

عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، وسأله معاوية هل شهدت مع رسول الله -

صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا؟ قال: (نعم صلى العيد أول النهار ثم

رخص في الجمعة؛ فقال من شاء أن يجمع فليجمع) رواه أحمد وأبو داود وابن

ماجه وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

أنه قال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون)

رواه أبو داود وابن ماجه وعن وهب بن كيسان، قال (اجتمع عيدان على عهد ابن

الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى ولم يصل

للناس يوم الجمعة فذكرت ذلك لابن عباس؛ فقال: (أصحاب السنة) رواه النسائي

وأبو داود بنحوه لكن من رواية عطاء ولأبي داود عن عطاء قال: (اجتمع يوم

الجمعة ويوم الفطر على عهد ابن الزبير في يوم واحد فجعلهما جميعًا فصلاهما

ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر).

فهذه الأحاديث ناطقة بلسان فصيح على منبر الحق بأنه لا ظُهر بعد الجمعة بل

إن الظهر لم تشرع ذلك اليوم أقيمت الجمعة أم لم تقم، وفيما روي عن ابن عباس،

وقد سئل عن رجل صلى الجمعة منفردًا في بستانه فقال: (لا بأس إذا قام شعار

الجمعة بغيره)، دليل على ما نقول لأن صلاته على ما أشترطه الفقهاء فاسدة، وإن

كنا لا نقول بصحة الجمعة في غير جماعة لما روى أبو داود من حديث طارق بن

شهاب: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك، أو

امرأة، أو صبي أو مريض) وفي حديث أبي هريرة، وحديث جابر (ذكر

المسافر).

وقد قال في نيل الأوطار بعد ما أورد حديث أبي داود السابق، وحديث

النسائي وظاهره أنه لم يصل الظهر وفيه: أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه

المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر، وإليه ذهب عطاء حكى

ذلك عنه في البحر، والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة أصل، وأنت خبير

بأن الذي افترضه الله تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة، فإيجاب

صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل، ولا دليل يصلح

للتمسك به على ذلك فيما أعلم). اهـ

وأنت تعلم أن مؤلفه الإمام الشوكاني من مشاهير حفاظ الحديث وفقهائه المعول

عليهم وربما يثقل هذا القول على فقهاء العصر، في كل قرية ومصر، اللهم إلا من

كان محبًا للحقيقة منهم.

قال في كشف الغمة: وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من ترك صلاة

الجمعة لغير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار فإن لم يجد فبدرهم أو

نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع أو مُدّ) فأنت ترى أنه لم يأمره

بصلاة الظهر بل أمره بالصدقة، ولا يقال أمره بالظهر والصدقة لأنه لم يثبت ذلك

والخير في الاتباع والشر في الابتداع.

(الخلاصة)

اعلم أن صفوة الكلام أن تعدد الجمعة للحاجة جائز عند الإمام الشافعي، وأن

الجمع في بلدتنا ونحوها متعددة للحاجة، وعليه فصلاة الظهر بعدها غير واجبة ولا

مسنونة بل هي بدعة غير جائزة وعلمت أن القول بصلاتها بعد الجمعة مبني على

التعدد لغير حاجة في بعض الصور وقد وفينا الكلام حقه في الأبحاث السابقة فراجعه

بدقة وإنصاف، والله أعلم.

هذا ما أردت إنشاءه وإيراده في هذه الرسالة فعسى أن تكون فصل الخطاب،

فقد جمعت من الكلام ما هو أضوأ من الشمس، وأنور من البدر، ومن الأدلة

الساطعة، والبراهين الناصعة، ما أزال عن وجه الحقيقة الغشاء، فبدت وضّاحة

الجبين، غَرَّاء الطلعة، وفيها كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد، فاجعلها اللهم

خالصة لوجهك الكريم.


(*) اللهم إلا ما ورد عن صلاته إياها في المسجد لمطر وقع كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وذلك لعذر كما رأيت. ا هـ منه.
(1) اختلف العلماء في صلاة الجمعة هل فرضت بطريق الأصالة، أم بطريق البدل عن الظهر فمنهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني، وهذه الأحاديث التي سنسردها لك تؤكد مذهب القائلين بأنها فرضت بطريق الأصالة لا البدل إلا حديث العير فليس فيه دليل لهم.
(**) وقد علمت من هذا الحديث أن الأربعين ليسوا بشرط في صحة الجمعة فلو صلاها رجلان في مكان لم يكن فيه غيرهما لفعلا ما يجب عليهما، فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة، وإن تركا
الخطبة فهي سنة فقط؛ لأنه لم يرد ما يدل على وجوبها، وقد قال عليه الصلاة والسلام (الجمعة واجبة على كل قرية، وإن لم يكن فيها إلا أربعة)، وما رُوي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (أول جمعة جمع بنا أسعد بن زرارة في بقيع الخصمان قيل لكعب كم كنت يومئذ، قال أربعون رجلاً فجمع بنا قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة)، فهو مما لا يستدل به على عدم صحتها، بأقل من العدد المذكور؛ لأن الجمهور على أن وقائع الأعيان لا تصلح دليلاً للعموم، ولذا قال الشعراني الشافعي في كشف الغمة قال شيخنا - رضي الله عنه - (والظاهر أن العدد المذكور ليس بشرط ولو كان أسعد وجد دون الأربعين لجمع بهم وأقام شعار الجمعة فهي واقعة حال) ولذلك اختلفت مذاهب العلماء في العدد، فذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - إلى أن الجمعة تصح من الواحد وذهب إبراهيم النخعي، وداود وأهل الظاهر إلى أنها تصح من اثنين، وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري - رضي الله عنهما - إلى أنها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام إلى آخر ما قال وأما الرجولية والإقامة والحرية فهي شروط لوجوبها دون صحتها إذ لا تجب الجمعة على المرأة والمسافر والرقيق لحديث أبي داود الآتي ولكن إن فعلوها تصح منهم فلو صلى رقيقان أو مسافران الجمعة مثلا أحدهما إمام والآخر مأموم صحت منهما، وقد ورد أن النبي صلى الجمعة في بعض أسفار مع الصحابة فلو كان يشترط في صحتها الإقامة لما فعلها الرسول ولا تحضرني الآن ألفاظ الحديث.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير