[علم الأخلاق من منظور فقهى نظرات فى موافقات الإمام الشاطبى]
ـ[الدرعمى]ــــــــ[01 - 08 - 04, 03:54 م]ـ
(1)
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على صاحب الخلق العظيم وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين ..
أما بعد
لعل الهدف من تأسيس علم للأخلاق كان هو وضع الضوابط والمعايير التى يسير بمقتضاها الإنسان فى حياته فتنتظم سيرته مع ربه ومع أفراد جنسه والكون من حوله وقد صيغت منذ فجر التاريخ نماذج لنظريات أخلاقية تأثرت بمجتمعاتها أكثر مما أثرت فيها ثم تطورت فى العصر الحديث واشتملت على مذاهب أكثر تعقيدًا وإن لم ترق بالإنسانية إلى ما كانت تصبو إليه بل لعلها قد تأخرت من هذا المنظور عن سابقتها ولقد تجاذبتها المناهج السائدة بعيدًا عن المقصد الذى وضع لأجله هذا العلم.
ولقد وجدنا المدارس الفقهية تضع القواعد العامة والضوابط التى تحكم حياة الناس فى معاملاتهم وعلاقاتهم معتمدة فى ذلك على القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وما اجتمعت عليه الأمة وعبرت عن تلك الضوابط والمعايير بعبارات دينية كالحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز بحيث يمتزج المعنى الأخلاقى بالأمر الدينى ذى الأبعاد العقائدية الإلزامية وبحيث يشمل ذلك كل الأفراد بلا استثناء ويشمل حياتهم اليومية.
ثم وجدنا ذلك قد أتى فى إطار منهج عملى متكامل لم يكتف بالنموذج النظرى الذى ألفناه فى النتاج الفلسفى، كما وجدناه يتميز إلى جانب ذلك بالواقعية والشمول والروح الاجتماعية مما يشكل نموذجا عمليًا لحياة أخلاقية واقعية شاملة تهدف إلى صلاح الدنيا من أجل صلاح الآخرة.
(2)
موضوع البحث
لقد عنى الفلاسفة بتفسير السلوك الإنسانى الخلقى على أنه موضوع علم الأخلاق، فتعرضوا لمعرفته وتحديد القيمة الخلقية، وغايته، ودوافعه، ومصادر الإلزام الخلقى، وأما الجانب التقويمى فقد أخذ منحًا نظريًا لدى بعض الفلاسفة ممن عنوا به كافلاطون بينما ذهب آخرون إلى استحالته وأن الناس يولدون اخيارًا أو أشرارًا وأنه لا يسع علم الأخلاق إلا أن يصف سيرة الناس كما يصف علم التاريخ الطبيعى سيرة الحيوان بل وعدّ بعضهم ذلك شرطًا فى اعتباره علمًا.
والواقع ان فى ذلك خروجًا عن الدور المنشود لعلم الأخلاق وهو ما عنى به الفقه الإسلامى وتميز به عن المذاهب الفلسفية الأخلاقية.
وإذا كان الجانب التقويمى العملى يظل هو المميز للبعد الأخلاقى فى الفقه الإسلامى فإن الحديث عن الجانب النظرى مما يظهر محاسن الشريعة وجهود الفقهاء مقارنة بغيرهم.
ـ[الدرعمى]ــــــــ[01 - 08 - 04, 05:17 م]ـ
أولاً الجانب النظرى:
وسوف أتناول فيه باختصار شديد - أرانى مدفوعًا إليه- ولن يكون مخلاً إن شاء الله تعالى الحديث عن دوافع الفعل الأخلاقى أو مصادر الإلزام، والغاية الأخلاقية، والقيمة الأخلاقية.
(3)
1 - دوافع الفعل الأخلاقى:
إن عناية الفقه الإسلامى بدوافع الفعل الأخلاقى إنما تنبع من أهمية معرفة ذلك فى خطاب النفوس وتوجيهها إلى انتهاج منهج أخلاقى، لكن الذى يلفت الانتباه أن النظرة الفقهية إلى النفس البشرية تميزت بالشمول والواقعية:
فهو يخاطب دوافع الإيمان والذى يتمثل فى توحيد القلوب لله تعالى وإخلاصها له بحيث يكون المرأ مع الله تعالى بلا خلق ومع الخلق بلا نفس ومع النفس بلا هوى وهو ما يتضح من ربط الأوامر والنواهى بالإيمان بالله تعالى وأما ما يتقوى به ذلك من فطرة سليمة وعقل مستنير فيناسبه توضيح ما فى هذه الأوامر والنواهى من علل مطردة تتفق مع ما يراه العقل وتطمئن إليه الفطرة.
ومن ناحية أخرى فإنه لما كان كل عمل إنسانى أصله المحبة والإرادة والمقصود منه الفوز بالمراد المحبوب سواء كان ذلك طاعة الله تعالى والانقياد لأمره أو الفوز بالجنة أو حتى نيل حظوظ الدنيا حتى صار ذلك اعم الدوافع وأشملها .. فقد خوطب المكلفون بذلك فى كل عمل حتى إن العمل إذا تجرد من الحظ بالمقصد الأول كالعبادات والولايات العامة كان لصاحبه من الحظ بالمقصد الثانى من جعله عمدة فى الدين وفى إقامة الشهادة ومن توقير المكلفين وقيامهم بحظوظه ... ما يفوق ما كان من الأعمال مراعيًا للحظ بالمقصد الأول حتى يعلم المكلف ان التجرد من الحظوظ فى الشرع لا يجرد صاحبها منها إذا كان ممتثلاً لأمر الله تعالى.
¥