يقول الدّردير: لا يجوز إخراج المنيّ المتكوّن في الرّحم ولو قبل الأربعين يوماً، وعلّق الدّسوقيّ على ذلك بقوله: هذا هو المعتمد.
وقيل يكره.
ممّا يفيد أنّ المقصود بعدم الجواز في عبارة الدّردير التّحريم.
كما نقل ابن رشد أنّ مالكاً قال: كلّ ما طرحته المرأة جناية، من مضغة أو علقة، ممّا يعلم أنّه ولد، ففيه الغرّة وقال: واستحسن مالك الكفّارة مع الغرّة.
والقول بالتّحريم هو الأوجه عند الشّافعيّة؛ لأنّ النّطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التّخلّق مهيّأة لنفخ الرّوح.
وهو مذهب الحنابلة مطلقاً كما ذكره ابن الجوزيّ، وهو ظاهر كلام ابن عقيل، وما يشعر به كلام ابن قدامة وغيره بعد مرحلة النّطفة، إذ رتّبوا الكفّارة والغرّة على من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً، وعلى الحامل إذا شربت دواءً فألقت جنيناً.
بواعث الإجهاض ووسائله
9 - بواعث الإجهاض كثيرة، منها قصد التّخلّص من الحمل سواء أكان الحمل نتيجة نكاح أم سفاح، أو قصد سلامة الأمّ لدفع خطر عنها من بقاء الحمل أو خوفاً على رضيعها، على ما سبق بيانه.
كما أنّ وسائل الإجهاض كثيرة قديماً وحديثاً، وهي إمّا إيجابيّة وإمّا سلبيّة.
فمن الإيجابيّة: التّخويف أو الإفزاع كأن يطلب السّلطان من ذكرت عنده بسوء فتجهض فزعاً، ومنها شمّ رائحة، أو تجويع، أو غضب، أو حزن شديد، نتيجة خبر مؤلم أو إساءة بالغة، ولا أثر لاختلاف كلّ هذا.
ومن السّلبيّة امتناع المرأة عن الطّعام، أو عن دواء موصوف لها لبقاء الحمل.
ومنه ما ذكره الدّسوقيّ من أنّ المرأة إذا شمّت رائحة طعام من الجيران مثلاً، وغلب على ظنّها أنّها إن لم تأكل منه أجهضت فعليها الطّلب.
فإن لم تطلب، ولم يعلموا بحملها، حتّى ألقته، فعليها الغرّة لتقصيرها ولتسبّبها.
عقوبة الإجهاض
10 - اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية على جنين الحرّة هو غرّة.
لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره: " أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغرّة عبد أو وليدة ".
11 - واتّفق فقهاء المذاهب على أنّ مقدار الغرّة في ذلك هو نصف عشر الدّية الكاملة، وأنّ الموجب للغرّة كلّ جناية ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك، ولو من الحامل نفسها أو زوجها، عمداً كان أو خطأً.
12 - ويختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة - وهي العقوبة المقدّرة حقّاً للّه تعالى - مع الغرّة.
' والكفّارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ' فالحنفيّة والمالكيّة يرون أنّها مندوبة وليست واجبةً، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقض إلاّ بالغرّة.
كما أنّ الكفّارة فيها معنى العقوبة؛ لأنّها شرعت زاجرةً، وفيها معنى العبادة؛ لأنّها تتأدّى بالصّوم.
وقد عرف وجوبها في النّفوس المطلقة فلا يتعدّاها لأنّ العقوبة لا يجري فيها القياس، والجنين يعتبر نفساً من وجه دون وجه لا مطلقاً.
ولهذا لم يجب فيه كلّ البدل، فكذا لا تجب فيه الكفّارة لأنّ الأعضاء لا كفّارة فيها.
وإذا تقرّب بها إلى اللّه كان أفضل.
وعلى هذا فإنّها غير واجبة.
ويرى الشّافعيّة والحنابلة وجوب الكفّارة مع الغرّة.
لأنّها إنّما تجب حقّاً للّه تعالى لا لحقّ الآدميّ؛ ولأنّه نفس مضمونة بالدّية، فوجبت فيه الكفّارة.
وترك ذكر الكفّارة لا يمنع وجوبها.
فقد ذكر الرّسول صلى الله عليه وسلم في موضع آخر الدّية، ولم يذكر الكفّارة.
وهذا الخلاف إنّما هو في الجنين المحكوم بإيمانه لإيمان أبويه أو أحدهما، أو المحكوم له بالذّمّة.
كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا اشترك أكثر من واحد في جناية الإجهاض لزم كلّ شريك كفّارة، وهذا لأنّ الغاية من الكفّارة الزّجر.
أمّا الغرّة فواحدة لأنّها للبدليّة.
الإجهاض المعاقب عليه
13 - يتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة بموت الجنين بسبب الاعتداء، كما يتّفقون على اشتراط انفصاله ميّتاً، أو انفصال البعض الدّالّ على موته.
¥