تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرحمن بنِ مهدي: إنك تقولُ للشيءِ: هذا يصحُ، وهذا لم يثبتْ؛ فعمن تقولُ ذلكَ؟

فقالَ: أرأيتَ لو أتيتَ الناقدَ فأريته دراهمك فقال: هذا جيدٌ، وهذا بهرج، أكنتَ

تسأله عَن ذلك أو تسلم الأمرَ إليهِ؟ قال: «لا بل كنتُ أسلمُ الأمرَ إليهِ، فقالَ:

فهذا كذلك لطولِ المجادلةِ والمناظرةِ والخبرةِ، وقد رُوي نحو هذا المعنى عَن الإمامِ

أحمد أيضاً وأنه قيل له: يا أبا عبد الله! تقولُ: هذا الحديثُ منكرٌ؛ فكيف علمتَ

ولم تكتبْ الحديثَ كلَّه؟ قالَ: مثلنا كمثلِ ناقد العين لم تقع بيده العين كلها؛ فإذا

وقع بيده الدينار يعلم بأنه جيّد، أو أنه رديء، وقال ابنُ مهدي: «معرفةُ الحديثِ

إلهام»، وقالَ: «إنكارنا الحديثَ عند الجهال كهانة». وقال أبو حاتم الرازي:

«مثل معرفةِ الحديثِ كمثلِ فصّ ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة

دراهم»، قال: «وكما لا يتهيأ للناقدِ أن يخبر بسبب نقدهِ؛ فكذلكَ نحن رزقنا

علماً لا يتهيأ لنا أن نخبر كيف علمنا بأنَّ هذا حديثٌ كذب، وأنّ هذا حديثٌ منكر إلا

بما نعرفه، قال: «ويعرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره، فإن تخلف عنه في

الحمرة والصفاء علم أنه مغشوش، ويعلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره فإن

خالفه في المائية والصلابة علم أنه زجاج، ويعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن

يكون كلاماً يصلح مثل أن يكون كلام النبوة ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم

تصح عدالته بروايته. والله أعلم» [63].

وبكل حال؛ فالجهابذةُ النقادُ العارفون بعللِ الحديثِ أفرادٌ قليلٌ من أهل

الحديث جداً، وأوَّل من اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابنِ سيرين، ثم خَلفه

أيوب السختياني، وأخَذَ ذلك عنه شعبةُ، وأخذ عَنْ شعبة: يحيى القطان و ابن

مهدي، وأخذ عنهما: أحمدُ و علي بن المديني و ابن معين، وأخذ عنهم مثل:

البخاريّ و أبي داود، و أبي زرعة، و أبي حاتم، وكان أبو زرعةَ في زمانه يقول:

«مَنْ قَالَ يفهم هذا وما أعزّه إلا رفعت هذا عَنْ واحد واثنين؛ فما أقلّ من تجد

من يحسن هذا!»، ولما ماتَ أبو زرعة قال أبو حاتم: «ذهب الذي كان يحسن

هذا المعنى، يعني أبا زرعة، أي ما بقي بمصر ولا بالعراق واحد يحسن هذا،

وقيل له بعد موت أبي زرعة: يُعرَفُ اليوم واحد يَعرِف هذا؟ قال: لا، وجاءَ بعد

هؤلاء جماعة منهم النسائي و العُقيلي و ابن عدي و الدّارقُطنيّ، وقلّ مَن جَاء

بعدهم مَنْ هو بارع في معرفة ذلكَ حتى قال أبو الفرج الجوزي في أول كتابه

الموضوعات: «قلَّ من يفهم هذا بل عُدم»، والله أعلم» [64].

هذا ما تيسر كتابته؛ فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن

خطأ فمني ومن الشيطانِ واللهُ منه بريء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى

آله وصحبه.


(1) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص43).
(2) مراد الحميديّ بقوله: (وليس فيه كتاب) يريد كتاباً جامعاً وشاملاً لجميع الوفيات بيّن ذلك ابنُ
الصلاح، و الذهبيّ وإلاَّ فقد أُلفت كتبٌ كثيرة في معرفة الوفيات.
(3) سير أعلام النبلاء 19: 124 - 125.
(4) شرح علل الترمذي (2/ 467).
(5) أُخذ هذا الموضوع رسائل دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومن نعمةِ اللهِ
عليّ أنْ كنتُ أحد المشاركين في هذا المشروع القيم.
(6) مقدمة كتاب (الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال)، ص 7.
(7) العلل (1/ 381 رقم1136)، وانظر أيضاً المسألة رقم (1184).
(8) شرح علل الترمذي (2/ 757 - 758)، نقد بعضُ المعاصرين كلامَ ابنِ رجب هذا، ولو تأمل في
تعاليل الأئمة للأخبار لوجد ذلك بيناً واضحاً، وإنّما أُوتي من عدم التوسع في قراءة كتب العلل، وعدمِ
معرفةِ مناهج الأئمة في ذلك.
(9) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 711).
(10) النكت (2/ 726).
(*) الكاغد: الورق.
(11) النبهرج: هو الباطل، والرديء من الشيء، لسان العرب (2/ 217).
(12) تقدمة الجرح والتعديل، ص 349، 351.
(13) هو الجلد المدبوغ القاموس (2/ 696).
(14) أخرجه: الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب ما جاء من أين يخرج الدجال (4/ 441 رقم
2237)، و ابن ماجه في سننه كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير