تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: إنّ معنى كلام ابن القيّم أنه لا يمكنُ أن نستفيد من الحديث جوازَ المسح على النعلين فقط لأن النّعل تكون أسفل القدم، وهي من جلدٍ غليظ أو رقيق، وتُثَبّتُ النعلُ في القدم بواسطة سيورٍ وأربطة، ومن المعلوم أنّ السنّة في مسح الخف هي مسحُ ظاهِرِه لا أسفله؛ وأسفلُ الخف هو كالنعل؛ فلا يعقل أن لا يمسح أسفل الخف ثُمّّ هو يمسح النعل!

ويمكنك أن تعود إلى تفصيل كلامهم في أول الرّسالة.

ـــــ وقد يستشهد البعض بأثر يرويه الدولابي عن سهل بن زياد أبو زياد الطحان عن الأزرق بن قيس قال: " رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان، ولكنهما من صوف ".

وقد صحح الشيخ أحمد شاكر هذا الأثر مع أنّه لا يصح، لأنّ راوِيه سهل بن زياد الطحان لم يَرِدْ فيه تعديل، وإنّما قال الأزدي عنه: " منكر الحديث " ومعنى هذا الكلام أنه سَبَرَ أحاديثه وتقصّى حاله، فيكون هذا الوصف منه جرحاً مفسَّراً. بخلاف ما لو قال عنه: " ضعيف "، فقط ولم يزد على ذلك، فإنه يكون جرحاً غير مفسر. وسكوت البخاري عنه في تاريخه لا يعني أبداً أنه ثقةٌ عنده، وإنما يعني أنه لا يعرف حاله، فيُقدّمُ كلام الأزدي.

ومع ذلك فإن هذا الأثر لا يصلح حجّة لهم، لأنّ أنساً رضي الله عنه قال إنهما خفّان.أي إنه ما ترخّص في المسح عليهما إلا لأنّهما عنده في معنى الخفّ، يمشي عليهما، لا كما يظنّ البعض من أنهما جوربين من صوف رقيق!!! بل على العكس لقد كانا ثخينين ويشبهان الخف كما قال أنس رضي الله عنه. ومرّ معنا آنفاً ما رواه البيهقي عن أنسٍ مما يدل على أن الجوربين كانا منعّلين.

_ ثمّ إن العلماء من التابعين وغيرهم الذين ورد عنهم أنهم قالوا بالمسح على الجوربين قد شَرَطوا لذلك شروطاً، فإذا أردنا أن نستشهد بكلامهم فعلينا ذِكْرُ شروطهم عند ذِكْرِ تجويزهم للمسح. فمثلاً: يقولون: (جوَّزَ المسح على الجوربين من التّابعين سعيد بن المسيّب، والحسن البصري. ومن الأئمة سفيان الثوري، و أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، و الحسن بن حي). وعند البحث في رواياتهم نجدُ أنّ تجويزهم كان مشروطاً؛ والسبب في ذلك كما ذكرتُ سابقاً أنّهم كانوا يقيسونه على الخف.

ففي المصنّف لابن أبي شيبة ج 1صـ171 قال: حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن وشعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما قالا: يمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين.

وفي أحكام القرآن للجصّاص ج2صـ 356 سورة المائدة باب غسل الرِّجلين: قال الثوري وأبو يوسف ومحمد والحسن بن صالح: (يمسح إذا كانا ثخينين وإن لم يكونا مجلدين).

وفي المحلّى لابن حزم ج2 صـ65 قال: فإن كان في الخفّين أو فيما لُبِس على الرجلين خَرْقٌ صغير أو كبير ... فقد قال الحسن بن حي والشافعي وأحمد: إن ظهر من القدم شيء من الخرْق، لم يجز المسح عليهما. انتهى

_ أظن بعد كل هذه النقول عن العلماء، أنّه لم يعد بإمكان أحد أن يزعُمَ أن المسح على الجوارب التي يلبسها الناس اليوم هو مما يجيزه هؤلاء العلماء وأنه مكافئ لغسل الرجلين.

· وأمّا مسألة رخصة المسح وضوابطها، فهي ليست كما يظنّ البعض أنها على إطلاقها لضرورة أو بدون ضرورة. وإليك كلام العلماء:

_ قال الإمام ابن تيمية: " .. أمّا طهارة المسح على الخفّين فليست واجبة، بل هو مخيّر بين المسح وبين الخلع والغسل؛ ولهذا وقّتها الشارع، ولم يوقتها بدخول وقت صلاة، ولا خروجها، ولكن لمّا كانت رخصةً ليست بعزيمة حدّ لها وقتاً محدوداً في الزمن، ثلاثاً للمسافر ويوماً وليلة للمقيم؛ ولهذا لم يجز المسح في الطهارة الكبرى. انتهى الفتاوى ج 21 صـ 361

_ وقال أيضاً: إنّ سبب الرّخصة الحاجة. انتهى الفتاوى ج 21 صـ 175

_ و إذا نظرتَ في الحديث الذي استشْهدوا به وهو أن الصحابة كانوا في سريّة فشكَوا إلى رسول الله ما أصابهم من شدّة البرد فأمرهم أن يمسحوا على التساخين والعصائب. رواه أحمد وأبو داود

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير