تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[105] شفع الوتر أو نقضه

صلينا التراويح في المسجد الجامع. ولما انتهت التراويح والوتر وسلم الإمام من الوتر قام رجل من الحاضرين وألحق ركعة وسلم. وقد كنت أريد أن أسأله عن سبب فعله هذا ولكنه خرج من المسجد قبل أن أتمكن من سؤاله، فأرجوكم الإفادة، وهل ورد عن أهل العلم ما يدل على جواز مثل هذا؟

الإجابة:

الظاهر أن هذا الرجل يريد أن يتهجد من الليل ويجعل آخر صلاته وترا. فإذا كان هذا قصده فلا بأس بما فعله. وقد نص الفقهاء على جواز ذلك.

فإذا أحب من له تهجد متابعة الإمام في وتره لم يسلم معه، بل ينتظر حتى يسلم الإمام ثم يقوم فيأتي بركعة لكي تشفع له ركعة الوتر، ثم إذا أراد أن يتهجد صلى مثنى مثنى وأوتر بركعة؛ لينال فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف وفضيلة جعل وتره آخر الليل.

وهذا أفضل من نقض الوتر؛ لأن نقض الوتر فيه خلاف بين أهل العلم. والمشهور من المذهب أن الأولى عدم نقض الوتر. وصفة نقض الوتر أن الإنسان إذا أوتر أول الليل ثم قام آخره للتهجد فإنه أول ما يصلي ركعة واحدة تشفع له وتره الذي صلاه أول الليل؛ وبهذا ينقض وتره، ويكون ما صلاه في أول ليله وآخره شفعا، ثم يتهجد ما شاء اللَّه مثنى مثنى، ويختم صلاته بوتر؛ حتى يكون قد أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" (374).هذه صفة نقض الوتر.

وأما مشروعيته، فقال الموفق في "المغني" (375): ومن أوتر من الليل ثم قام للتهجد، فالمستحب أن يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره. روي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وعائذ بن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وكان علقمة لا يرى نقض الوتر. وبه قال طاوس، وأبو مجلز، وبه قال النخعي، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور. وقيل للإمام: أحمد ولا ترى نقض الوتر؟ فقال: لا. ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو؛ لأنه قد فعله جماعة ...

إلى أن قال في "المغني": ولنا ما روى قيس بن طلق، قال: زارنا طلق ابن علي في يوم من رمضان، فأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة، ثم انحدر إلى مسجد فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا. فقال: أوتر بأصحابك؛ فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة" (376) رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. وروي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال: أما أنا، فإني أنام على فراشي، فإن استيقظت صليت شفعا حتى الصباح (377). رواه الأثرم. وكان سعيد بن المسيب يفعله. اهـ.

وحاصل كلام الموفق - رحمه اللَّه- أن الأولى عدم نقض الوتر، وأن الإنسان إذا قام من الليل بعدما أوتر فالأفضل له أن يصلي مثنى مثنى، ولا يوتر قبلها ولا بعدها. وهذا هو المشهور من المذهب. واللَّه أعلم.

فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل

766وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله ورعاه -: نرجو من فضيلتكم التفصيل في مسألة نقض الوتر، وكيف تفسر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل فيها: "لا وتران في ليلة" (1) وحديث: "اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وتراً" (2)؟

فأجاب فضيلته بقوله: نقض الوتر عند من يقول به أن الإنسان إذا أوتر في أول الليل ثم قام من آخر الليل يتهجد، بدأ قيامه في آخر الليل بركعة لتشفع الركعة الأولى، حتى تكون الركعتان شفعاً، ثم يصلي ركعتين ركعتين وإذا انتهى صلى الوتر.

ولكن هذا القول ضعيف وليس بصحيح، ولكن إذا أوتر الإنسان في أول الليل بناء على أنه لا يقوم من آخر الليل فإنه يكون ممتثلاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" فإن قدر أن يقوم من آخر الليل فيصلي ركعتين ركعتين ولا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً". وهذا قد فعل ثم قدر له أن يقوم فيصلي ركعتين ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" (3).

767وسئل فضيلة الشيخ: ورد في الحديث: "لا وتران في ليلة"، فماذا يفعل من أراد أن يصلي التراويح ثم بعد ذلك القيام؟ وهل من صلى التراويح ثم انصرف يكتب له قيام ليلة كما ورد في الحديث؟

فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإنسان مع الإمام الأول وأوتر (1) فإذا كان من نيته أن يصلي مع الإمام الثاني فإنه يشفع الوتر، أي إذا سلم الإمام قام فأتى بركعة، فإذا أتى بركعة صارت صلاته شفعاً، وصار الوتر في آخر الليل.

ولكن قد يقول لنا قائل: ما دليلكم على أنه يجوز للإنسان أن يزيد على إمامه ركعة؟

فالجواب على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه في غزوة الفتح يصلي ركعتين ويقول لأهل مكة: "أتموا فإنا قوم سفر" (2) أي مسافرون، فأهل مكة زادوا على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين. فهذا الذي يريد أن يشفع وتره، ويكون زاد ركعة لغرض، وهو شفع صلاته.

ولكن نقول إذا صلى مع الإمام الأول حتى انصرف وأوتر معه، فهل يحسب له قيام ليلة؟ هذا محل نظر:

فقد يقول قائل: إن اتحاد المكان يقتضي اتحاد الإمام؛ لأن المصلى واحد فالإمام الثاني كأنه نائب عن الإمام الأول.

وقد يقول آخر: إن انفراد الأول بصلاة كاملة فيها وترها يقتضي أنها صلاة مستقلة عن الثاني، وتكون الصلاة الثانية قياماً جديداً.

فبناء على الاحتمال الأول يكون الإنسان الذي يريد أن يبقى مع الإمام حتى ينصرف، لا ينصرف إلا بعد القيام الثاني.

وعلى الاحتمال الثاني نقول: من انصرف مع الإمام الأول وأوتر معه، فقد حصل له قيام الليلة.

وحيث كان هذان الاحتمالان واقعين فإن الأفضل فيما أرى أن يصلي الإنسان مع الأول فإذا سلم الإمام من وتره، أتى بركعة يشفعه، ثم قام مع الإمام الثاني، وانصرف مع إذا أوتر.

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير