تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما بين أن المسارعة في الخيرات من أسباب استجابة الدعاء فقال تعالى: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" [الأنبياء:90]، كما بين أن المسارعين في الخيرات من صفات الموحدين الذين هم من خشية ربهم مشفقون فقال تعالى: "أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" [المؤمنون: 61]، وقال تعالى بعد ذكره للعديد من الأنبياء: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" [الأنبياء:73].

وإذا كانت المسارعة بالخيرات محمودة مطلوبة في كل آن وحين وكل مكان فإن حدوث ذلك في الأماكن المفضلة والأزمان الشريفة أكثر فضلا وخيرا وأعظم أجرا

ومن أماكن الفضل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى حيث فضلت الصلوات فيها على غيرها بدرجات عظيمة، ولم يشرع شد الرحال إلى مكان من أمكنة العبادة إلا إليها، كما أن من أماكنه الثغور حيث يرابط فيها المسلمون حفظا لدار الإسلام واستعدادا للجهاد في سبيل الله تعالى هداية للناس وإخراجا لهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، وقد وردت البشارات العظيمة بما أعد الله للمرابطين في سبيله فقال الرسول الكريم: "كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر" وقال: "من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر" وقال: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان"

التعرض لنفحات الله:

وكما كان هناك تفضيل للمكان فهناك تفضيل للزمان ومن أزمان الفضل أشهر الحج وشهر رمضان، ومن أزمانه أيضا يوم الجمعة الذي هو خير يوم طلعت عليه الشمس، وجوف الليل الآخر حيث "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له"، وقد دخل علينا شهر رمضان بفضله وشرفه مما يستوجب علينا أن نتعرض فيه لنفحات الله علينا

كما ندبنا لذلك رسولنا الكريم، فقال: " افعلوا الخير دهركم، و تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم" وفي رواية شاهدة لذلك قوله: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها"، وقد فهم منه صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم ذلك فصاروا يرددونها، قال أبو الدرداء: "التمسوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم"

ولا يشك أحد أن رمضان كله ليله ونهاره من هذه الأزمان التي تهب فيها نفحات الله تعالى لذا أكثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك المتابعون لطريقته الصحابة فمن بعدهم من التعرض لتلك النفحات بحضور القلب ولزوم الذكر والدعاء وقراءة القرآن والصدقة والإحسان إلى خلق الله تعالى، والصلاة بالليل والناس نيام، وكان لهم شأن فيه لم يكن لغيره من الأزمان

تحدثنا الروايات الصحيحة أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان شأن يختلف عن كل أحواله في غيره من الشهور، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحيانه جوادا كريما لكن كرمه وجوده في رمضان كان في الذروة، قال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: "قال كان النبي-صلى الله عليه وسلم-أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل-عليه السلام-يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي-صلى الله عليه وسلم-القرآن، فإذا لقيه جبريل-عليه السلام-كان أجود بالخير من الريح المرسلة"، فجوده صلى الله عليه وسلم بالخير في رمضان يفوق الريح المرسلة بالخير في إسراعها وعمومها، ولولا أن النفقة في رمضان والجود بالخير تفوق منزلتها على غير رمضان ما اختصها الرسول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير