معمر، والأعمش».
هذا والآثار التي تدعم مذهب الصحابة كثيرة للغاية، منها:
• روى عبد الرزاق في مصنّفه (4
172): أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: قال ابن عباس: «أحَلَّ اللهُ لكَ الشرابَ ما شكَكْتَ، حتى لا تَشُكّ». وهذا غاية في الصّحّة.
• وروى (4
173): عن ابن التيمي (معتمر بن سليمان، ثبت) عن أبيه (سليمان بن طرخان، ثقة) عن حيان بن عمير (ثقة) قال: سُئِلَ ابن عباس عن الرجل يَسمع الأذان وعليه ليل؟ قال: «فليأكل». قيل: وإنه سَمِعَ مؤذِّناً آخر؟ قال: «شَهِدَ أحدهما لصاحبه».
• وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (2
288 #9068): حدثنا أبو بكر حدثنا ابن علية (ثبت) عن ابن عون (ثبت) قال: قال محمد (بن سيرين): «وضعت الإناء على يدي، فجعلت أنظر: هل طلع الفجر».
• وأخرج الدارقطني في سننه (2
166): من طريقين عن منصور بن المعتمر (ثقة فقيه من أثبت الناس) عن هلال بن يساف (ثقة) عن سالم بن عبيد (صحابي) قال ثم كنت في حجر أبي بكر الصديق، فصلى ذات ليلة ما شاء الله، ثم قال: «اخرج فانظر هل طلع الفجر؟». فخرجت ثم رجعت فقلت: «قد ارتفع في السماء أبيض». فصلى ما شاء الله، ثم قال: «اخرج فانظر هل طلع الفجر؟». فخرجت ثم رجعت فقلت: «لقد اعترض في السماء و احمَرّ» (أي انتشر الشفق الأحمر في عرض السماء). فقال: «ائت الآن فابلغني سحوري». «ائت الآن بشرابي». قال (سالم): وقال (الصديق) يوماً آخر: «قم على الباب بيني وبين الفجر» (أي حتى يمنعه من رؤية الفجر فيتمكن من التسحر، لأنه لا يدخل وقت الصيام حتى يتيقن من دخول الوقت، وإن كان قد طلع في الحقيقة).
قال الدراقطني: «وهذا إسناد صحيح». وفي رواية ابن أبي شيبة (2
276 #8929) المختصرة الصحيحة: قال الصديق: «قم فاسترني من الفجر» ثم أَكَل. قال ابن حزم في المحلى (6
232): «سالم بن عبيد هذا: أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله ?. وهذه أصحّ طريقٍ يُمكن أن تَكون». وصححه ابن حجر في فتح الباري (4
136). أقول: وهلال بن يساف ثقة كوفي من الطبقة الوسطى من التابعين، وقد أدرك علياً وسمع عدداً من الصحابة، فلا شيء يبعد سماعه من بلديه سالم. وهذا الأثر فيه دليل على أن المعتبر في وقت الفجر هو الشفق الأحمر.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[16 - 09 - 08, 04:51 ص]ـ
وقت بدئ الصيام
اختلف العلماء في الوقت الذي يبدأ به الصيام (أي في الحَدِّ المُحَرِّم للأكل): هل هو وقت أذان الفجر، أم هو حتى يحصل اليقين بطلوع الفجر؟ مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء هو أن الدخولَ في الصوم بأذانِ الفجرِ وتحريم الطعام والشراب والجماع به. ومذهب الصحابة وكثير من التابعين هو أن الدخول في الصوم بتيقُّن طلوع الفجر. وسبب هذا الخلاف هو اختلاف تفسيرهم للتبيُّن في قول الله تعالى: { ... وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ... } (187) سورة البقرة.
فقال قوم (وهم جمهور المتأخرين): هو طلوع الفجر نفسه. وقال قوم (وهم الصحابة وكثير من التابعين): هو تَبَيُّنَهُ عِندَ النَّاظِرِ إليه، ومن لم يَتبَيَّنه فالأكل مُباحٌ له حتى يتبيَّنه –وإن كان الفجر قد طلع في الواقع–. وفائدة الفرق: أنه إذا انكشف أن ما ظَنَّ من أنهُ لم يَطلع، كان قد طلع: فمن كان الحَدُّ عِنده هو الطّلوع نفسه (وهو رأي المتأخرين)، أوجَبَ عليه القضاء. ومن قال هو العِلمُ الحاصل به (وهو رأي الصحابة)، لم يوجب عليه القضاء.
وسبب الاختلاف في ذلك الاحتمال الذي في قوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} هل على الإمساك بالتَبَيُّن نفسه أو بالشيء المُتَبَيِّن؟ والله تعالى قد قال {يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} فإضافة التبيُّن لنا، هي التي أوقعت الخلاف. لأنه قد يتبيَّن في نفسه ويتميَّز، ولا يتبين لنا.
¥