الوجه الثاني: ما يترتب على القطع بتحديدها في ليلة بعينها من الحرج على الأمة. فكم راى الناس من تدافع وتزاحم عند الحرمين، ولا سيما في ليلة السابع والعشرين، وهي أرجى الليالي، فكيف إذا قيل للناس أن ليلة القدر في الليلة الفلانية على وجه القطع، فلا شك أنه سيترتب من المشقة والحرج ما يقطع الناظر أنه مرفوع عن هذه الشريعة بنص كتاب الله {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج آية78]
وقد تقرر في علم الأصول أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، وهي هنا نص في العموم بقرينة (من).
الوجه الخامس من أوجه إثبات بطلان تحديد ليلة القدر على وجه القطع وهو مخالفة اللغة.
فلا ريب أن فهم نصوص الوحيين، وفق معهود العرب في الكلام والأساليب أصل قرره أهل العلم، لأن هذه الشريعة المباركة عربية.
وبنظرٍ معجمي إلى المعنى الدلالي لصيغة (التمسوا) و (تحروا) و (تحيينوا) ولم استقصي كل ما ورد وإنما اردت أن أشير إلى استعمال العرب لهذه المفردات فالالتماس والتحري والتحين أطلقها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ وهو أفصح العرب وأنصحهم للأمة وأعلمهم بمراد الله من كلامه، ولازم كلام الله ورسوله حق.
قال بن منظور في لسان العرب: (ومن أحر به اشتق التحري في الأشياء ونحوها، وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن، وذكر من معاني التحري الاجتهاد في الطلب) (اللسان 4/ 101، 102، مادة حري). فانظر كيف أن العرب تستعمل مادة التحري في طلب الأشياء التي لا يقطع بحصولها. ومن هنا ندرك سر اختيار الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ـــ لهذه اللفظة دون غيرها من العبارات كقوله اشهدوا أو غير ذلك.
ومثل ذلك نجد المعنى الدلالي للالتماس قال بن منظور: (الالتماس الطلب والتمس التطلب مرة بعد مرة أخرى. . . وفي الحديث من سلك طريقا يلتمس فيه علما، أي يطلبه فاستعار له اللمس، وحديث عائشة فالتمست عقدي ... ) (جـ 13/ 232مادة لمز).
فلاحظ أن التماس الطريق المعنوي .. طريق العلم، والتماس العقد ليس التماس لمقطوع به، بل طلب لشيء يظن حصولة من غير يقين بذلك. فدل على أن القطع بليلة القدر يخالف ما يفهم من كلام العرب.
الوجه السادس من أوجه إثبات بطلان تحديد ليلة القدر على وجه القطع هو مخالفة دلالة العرف في استعمال لفظ التحري والالتماس.
فقد جرى عرف الناس في هذه البلاد وغيرها في استعمال التحري كمصطلح فيما يغلب على الظن حصوله لا في ما يقطع بحصوله، ولهذا كثيرا ما تأتي بيانات، مجلس القضاء الأعلى في هذا البلاد بطلب تحري رؤية الهلال في رمضان وأشهر الحج.
ومثل ذلك مصطلح الالتماس، فإنه يطلق على طلب إعادة النظر في الحكم النهائي كما هو شائع في قانون المرافعات وطلب الطعن (الالتماس) قد يقبل وقد لا يقبل , فهو استعمل لمصطلح الالتماس في طلب ما يظن حصوله. لا فيما يقطع أو يتيقن.
الوجه السابع من أوجه إثبات بطلان تحديد ليلة القدر على وجه القطع وهو مخالفة العقل.
فإن التحديد من غير دليل معتبر وإذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ــ أعلم الناس وأفصحهم وأنصحهم لأمته، وكذا كان أصحابه من بعده أبر الأمة قلوبا وأعمقها علما بمراد الله ورسوله، فلو كان الانشغال بمثل هذا التحديد والقطع به فيه خير لأوشك أن يدلوا الأمة عليه. فإن من المتقرر عقلا أن الدواعي إذا توفرت على طلب فعل وهو مباح فضلا أن يكون مستحبا استحبابا، شديدا كليلة القدر، فلا بد أن يوجد، فلما لم ينقل عن واحد منهم الدلالة على مثل هذا التكلف من التحديد والحساب والتعين لليلة القدر علم أن هذا لا سبيل إليه.
سعد مقبل العنزي
ينبع الصناعية
ـ[أبو لجين]ــــــــ[20 - 09 - 08, 04:58 م]ـ
جزاك الله خيراً على الإضافة، ولكن كلتا الفتاوى التي نقلتها لا تتطرق إلى الأدلة التي استدل بها صاحب الشأن.
وأما قول العنزي (ففي القرآن العظيم لم تقيد ليلة القدر بليلة بعينها) بل قيدها الله فقال (إنا أنزلناه في ليلة القدر) فكان نزول القرآن في ليلة القدر، فليلة القدر هي ليلة نزول القرآن.