تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما السنة الفعلية، فأبرز مظاهرها اعتكافة صلى الله عليه وسلم طوال العشر وديمومته على ذلك حتى انتقل إلى ربه، يقول الحافظ بن رجب، أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان يجتهد في رمضان على طلب ليلة القدر، وأنه اعتكف مرة العشر الأول منه، ثم طلبها فاعتكف بعدها العشر الأوسط، وأن ذلك تكرر منه ـ صلى الله عليه وسلم ــ غير مره، ثم استقر الأمر على اعتكاف العشر الآواخر في طلبها. (لطائف المعارف صـ 353).

أما دلالة السنة التقريرية، فإقراره صلى الله عليه وسلم لعائشة وغيرها من الصحابة في تحري ليلة القدر، فقد أخرج الترمذي وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولي: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [وقال حديث حسن صحيح]. فأقرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عدم القطع بليلة القدر بليلة بعينها، فالعرب تستعمل (إن) لما يمكن وقوعه وعدم وقوعه , فأما يقع لازما أو غالبا فيقولون فيه إذا.

ولو كان يعلم ليلتها ـ صلى الله عليه وسلم ــ على وجه اليقين لدل عليها أحب الخلق إليه. فهذا أفصح الخلق وأحسنهم بيانا، وهذا تقريره، فهل بعد هذا حجة لأحد كي يقطع بأن ليلة القدر في ليلة بعينها.

الوجه الثاني من أوجه إثبات بطلان تحديد ليلة القدر على وجه القطع وهو مخالفة إجماع الصحابة.

وقد حكى هذا الإجماع الحافظ بن حجر رحمه الله في الفتح فقال بعد أن ساق البخاري من أحاديث (وفي هذه الأحاديث رد لقول أبي الحسن الحولي المغربي، إنه اعتبر ليلة القدر فلم تفته طول عمره، وأنها دائما تكون ليلة الأحد، فإن كان أول الشهر ليلة الأحد، كانت ليلة تسع وعشرين وهلم جرا، ولزم من ذلك أن تكون في ليلتين من العشر الوسط لضرورة أن تكون أوتار العشر خمس. وعرضه من تأخر عنه، فقال إنها تكون دائما ليلة الجمعة، وذكر نحو قول أبي الحسن، وكلاهما لا أصل له، بل هو مخالف لإجماع الصحابة في عهد عمر ـ رضى الله عنه ــ) (الفتح 4/ 339).

الوجه الثالث من أوجه إثبات بطلان تحديد ليلة القدر على وجه القطع وهو مخالفة دلالة القياس.

فقد حرم الله تعالى القول عليه بغير علم ونعى على المشركين تحريم ما أحل لهم أو تحليل ما حرم عليهم، لأنهم في هذا يضاهئون ما شرعه إطلاقا وتقيدا وإباحة ومنعا. ومضاهاة الشارع في تخصيصاته أو تقيداته من غير دليل هو البدعة. وهذه العلة ــ وهي المضاهاة ــ متحققة في ما يدعيه صاحب النشرة من القطع بكون ليلة القدر في ليلة الثلاثاء. وإلى هذه العلة اشار الشاطبي في الاعتصام كما تقدم.

ومن المقرر عند علماء الأصول أن العلة قد تعم معلولها. كما يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان.

الوجه الرابع من أوجه بطلان تحديد ليلة القدر على وجه القطع وهو مخالفة مقاصد الشريعة.

قرر علماء الإسلام رحمهم الله أن هذه الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وعلى هذه القاعدة تقوم رحي الإسلام.

والقول بتحديد ليلة القدر بليلة بعينها على وجه القطع يناقض مقصود الشارع من وجهين:

الأول أن الله تعالى أخبر بفضل هذه الليلة، وهذا يقتضي أن الله تعالى يريد من عباده أن يطلبوها وأن يحرصوا عليها ولهذا جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ــ نادبة إليها.

ففي حديث عبادة بن الصامت المتقدم عن البخاري، أنه لم أخبر عليه الصلاة والسلام أنها رفعت قال: وعسى أن يكون خيرا لكم.، قال الحافظ بن حجر فعسى أن يكون خيرا لكم،فإن وجه الخيرية من جهة أن خفائها يستدعي قيام كل الشهر أو العشر بخلاف لو بقية معرفة عينها). (الفتح ص 4/ 340).

نقل الحافظ بن حجر في الفتح عن ألسبكي الكبير قوله: أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها والخير كله فيما قدر له، فيستحب إتباعه في ذلك.

وقال الحافظ بن كثير رحمه الله: (وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العباد جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف ازواجه من بعده) (منقول عن عمدة التفسير 3/ 712)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير