تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثالثًا: مما لا يُنكر أن العلوم العصرية في القرن الأخير طرأ عليها تغير هائل وفتوح مذهلة وكشوف لم يكن الناس يحلمون بها ولا يدركونها، ولعل الكثير منّا نحن طلبة العلم الشرعي لم يستطيعوا أن يستوعبوا هذه المتغيرات ولا أن يدركوها ولا أن يعرفوا كيف يوظّفونها فمثلاً علم الفلك من العلوم التي تطورت، القمر نفسه صعد الناس إليه وركبوا على ظهره، والصور رآها الأطفال والكبار والصغار، وكذلك ما أطلقه العلماء من الأقمار في الفضاء والتي تجول في الفضاء وتضربه شرقًا وغربًا ويمكن أي قمر إذا تأخر من مداره أو أصبح فيه خلل يستدنى ويُستدعى على سبيل العجل ويتم إصلاحه وتغييره وأصبح العلماء يرصدون بالمناظير والمراصد حركة الأفلاك بجزء من مئة ألف جزء من الثانية، فهناك تقدم مذهل وهائل في هذا العلم ينبغي علينا أن نوظّف هذا التقدم توظيفًا إيجابيًا صحيحًا.

النقطة الرابعة: أن علماء الفلك مع هذا التقدم لا يزال بينهم اضطراب كبير، وأنا سمعت عددًا منهم وقرأت بحوثًا لهم ولمست الاختلاف الشائع بينهم، وأذكر أن أحد الأساتذة الدكتور أحمد الهوراي أحد رجالات العمل الإسلامي في ألمانيا سمعته مرة في (المجلس الأوروبي للإفتاء) وهو يتكلم عن هذه القضية بكلام في غاية المتانة والإتقان، وهو فيما يبدو لي متخصص في هذا الجانب، لكن يبدو أن علماء الفلك أنفسهم مضطربون يعني قد يقول الواحد منهم بأن الرؤية مستحيلة ويقول آخر بأنها ممكنة، وقد يقول واحد بشيء، ويقول آخر بشيء آخر سواه لأن تعقيد هذه المسألة يُفضي إلى أن ينظر كل واحد منهم إلى زاوية معينة فلا يزال ثمة اضطراب حتى بين علماء الفلك أو علماء الحساب أنفسهم فيها.

الملاحظة الخامسة: أن الخطأ يقع في الحساب، والخطأ أيضًا يقع في الرؤية، وقد يقع أن يصوم الناس ثمانية وعشرين يومًا كما حصل في إحدى السنوات، أو يكون هناك إعلان للشهر بينما يحكم الكثيرون بأن ذلك مستحيل".

ويضيف العودة "إذن: الخطأ يوجد في الحساب ويوجد في الرؤية، الرؤية قد يكون بسبب اللبس أنه يرى جرمًا فيعتقد أنه الهلال، أو بسبب الكذب عند بعض الناس الذين قد يكون عندهم فساد في ضميرهم.

الملاحظة السادسة: أنه قد تصل الدراسات الفلكية والحسابية يومًا من الأيام إلى نتيجة معينة يُذعن لها الأكثرون، ولو أجمع علماء الحساب الإسلاميون على أمر واحد متفق عليه بينهم أو على الأقل بين كبارهم في موضوع إثبات دخول الشهر أو خروج الشهر أظن أن الكثيرين يمكن أن يرجعوا إلى هذا القول أو يأخذوا به، أما والاضطراب موجود فإن الإنسان حينئذ يقول: نحن مضطربون في الرؤية مضطربون في الحساب أيضًا.

النقطة السابعة: أنه قد يكون من الحلول العملية لو أن الحكومات الإسلامية وهي تدري أن رمضان يتكرر كل سنة ويتعلق به الصيام ثم يتعلق به العيد، لو أنها أعطت هذا الموضوع مزيدًا من الاهتمام وألا يكون مفاجأة كأننا فوجئنا برمضان هذه السنة جاء قبل وقته فأن يكون هناك لجان متخصصة، هذه اللجان فيها شرعيون، فيها علماء فلك ثقات مأمونون عندهم معرفة ودين، هذه اللجان أيضًا فيها مراصد فلكية والمراصد يمكن أن تشاهد القمر هي جزء من الرؤية يعني التلسكوبات أو المكبرات هي أقوى من العين بعشرات المرات أو بمئات المرات، فإذا تبيّن أن المرصد لم ير الهلال وقال إنسان بعينه المجردة إنه رآه، هنا يكون رأى جرمًا آخر أو التبس الأمر عليه، فأقصد هنا بالمراصد التلسكوبات أو المكبرات التي يمكن أن توضع في أماكن عديدة في عشرة مواقع أساسية يمكن من خلالها رصد ولادة الهلال أو عدم ولادته، وتدرس هذه اللجنة وتقرر بشكل واضح يرفع احتمال الخطأ، ولا أقول يرفع الخلاف؛ لأن الخلاف باقٍ لكن على الأقل يرفع أو يُقلل احتمال الخطأ في إثبات الشهر دخولاً أو خروجًا.

الملاحظة الثامنة: أن بعض العلماء ذكروا قاعدة وهي إمكانية الأخذ بالحساب في النفي لا في الإثبات، بمعنى أنه إذا أثبت العلم الفلكي بشكل يقيني أنه لا يمكن ولادة الهلال، هنا لا نأخذ بالرؤية لأنه يتبيّن أن الرائي قد أخطأ أما الإثبات فلا نُثبت الهلال بالحساب، وهذا قول وسط، وممن ذهب إليه الشيخ يوسف القرضاوي مال إليه والشيخ عبد الله بن منيع وجماعة من أهل العلم مالوا إلى هذا القول.

الملاحظة التاسعة: أنه فيما يتعلق بالحساب هناك أولا ولادة الهلال أن يثبت أن الهلال وُلد، هذا أولا.

ثانيًا: لابد أن تكون الولادة قبل غروب الشمس؛ لأن اليوم الإسلامي يبدأ بعد الغروب، فلابد أن تكون الولادة قبل غروب الشمس.

الشرط الثالث: أن تكون الرؤية ممكنة وفي نظري أن هذا شرط جيد؛ لأن الله لم يتعبدنا بولادة الهلال وإنما تعبدنا برؤيته، فإذا كانت الرؤية ممكنة للبشر فهذا قد يجمع بين الاعتماد على الحساب وبين اعتماد الرؤية الواردة في الحديث.

الملاحظة العاشرة: أنه ينبغي أن نراعي عدم تفريق الناس وجمعهم بقدر المستطاع، إذا كانت الدولة تأخذ بالحساب وأعلنوا الصيام فيجب على شعبهم أن يصوموا لئلا يتفرق الناس، بلد آخر يعتمد على الحساب بطريقة ثانية، بلد ثالث يعتمد على الرؤية ..

نقول: ليس مطلوبًا على الأقل أن يزيد الناس تفرقًا، فعلى الناس أن يتبعوا الجهة الرسمية الموجودة عندهم، إذا أعلنت دار الفتوى أو مجلس القضاء الأعلى أو جهة حكومية معتبرة في هذا البلد أو ذاك أن غدا من رمضان فعلى الناس أن يصوموا، إذا أعلنت أن غدًا من العيد فعلى الناس أن يُعيّدوا، وهكذا فيما يتعلق بالمراكز الإسلامية في الغرب في أوروبا وأمريكا وأستراليا وغيرها ليس صحيحًا أن هذا المركز يتبع بلده إن كان من المغرب أو من السعودية، ومركز آخر يتبعون مكة لأنهم يقولون هي البلد الحرام ومركز العالم، ومركز ثالث يعتمد على الرؤية، مركز رابع يعتمد على الحساب وهم في مدينة واحدة أو حي واحد، حتى إنك تجد في المسجد الواحد هذا صائم وهذا مفطر، هذا خطأ ينبغي أن ينتهي".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير