أَبلَغُ, لتضمنِ (أحسنتُ) معنى (لَطَفتُ) , ولما في الباءِ من معنى اللصوقِ, ولهذا عُدِيَ في الآية بالباء ليفيدَ الأمرَ باللطف في الإحسان والمبالغةَ في تمام اتصالِه بهما, فلا يَرَيَانِ ولا يَسمعان ولا يَجدان مِن وَلدِهما إلا إحساناَ, ولا يَشعرانِ في قُلُوبِهِما منه إلا الإحسان.] اه
وقال النبي صلى الله عليه و سلم:"لايدخُلُ الجنةَ عاقٌ ولامدمن خمرٍ ولا مكذبٌ بقدر" [6]
وقال الإمام ابنُ باديسَ [7]: -ومن حُقوقِهِما عليه- أن لا يخرجَ إلى مافيه خوفٌ ومخاطرةٌ بالنفسِ إلا بإذنهما, بدليلِ ما جاء في سننِ أبي داودَ [8] (عن أبي سعيدٍ الخُدري أن رجلاً هاجرَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم من اليمنِ فقال: هل لك أحدٌ باليمنِ؟ فقالَ: أبَوَاي, فقالَ: أَذِنا لك؟ قال: لا قال: ارجع إليهما فاستأذِنهُما, فإن أذنَا لك فجاهد و إلا فبُرَّهُما.) اه
وقد منعَ النبيُ صلى الله عليه و سلم آخرَ فقال له: "ففِيهِما فجَاهِد". [9]
ومن العقوقِ إدخالُ الحزنِ عليهما وإبكاؤُهما فقد جاء عند أبي داودَ [10] (عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو قال جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه و سلم فقال: جِئتُ أُبايعُك على الهجرةِ, وتركتُ أَبَوَيَّ يبكيان قال: ارجع عليهما فأضحِكهُما كما أبكَيتَهما)
4 - السكنى بين ظَهرانَي الكفارِ من غيرِ ضرورةٍ وهذا محرمٌ لقولِه تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (9 فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا? [النساء97 - 99] قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله تعالى: "فنزلت هذه الآيةُ الكريمةُ عامةً في كلِ من أقامَ بين ظَهراني المشركينَ وهو قادرٌ على الهجرةِ، وليس متمكناً من إقامةِ الدِينِ، فهو ظالمٌ لنفسِه مُرتكبٌ حرامًا بالإجماعِ" اه _ فانظر يَا رَعَاكَ الله هذا في الذي يعيشُ بينهم ولم يُهَاجِر وهو قادرٌ على ذلك فكيف بمن يريدُ السفرَ من أجلِ العيشِ بينهم و الرسولُ صلى الله عليه و سلم قالَ: (من جَامعَ المشركَ [11] وسكنَ معه فإنه مثلُه) [12] وقال صلى الله عليه و سلم: {أنا بريءٌ من كل مسلمٍ يُقيمُ بين أظهرِ المشركينَ قالوا: يا رسولَ اللهِ لم؟ قال:" لا تَرَاءَى ناراهُما"} [13]
ونقل العلامةُ أحمدُ بنُ يحيى الونشريسي التلمساني المالكي [ت 914ه] الإجماعَ على حرمةِ مساكنةِ المشركين إجابةً عن سؤالٍ ونقله كذلك عن ابنِ رشدٍ الجد فقال: قال زعيمُ الفقهاءِ القاضي أبو الوليدِ بنِ رشد رحمه الله [14]:
(فإذا وجبَ بالكتابِ وإجماعِ الأمةِ على مَنْ أسلمَ بدارِ الحربِ أنْ يَهْجَرَهُ ويلحقَ بدارِ المسلمينَ ولا يَثْوِي [15] بين المشركينَ ويُقيمَ بين أظهرهِم لئلا تجري عليه أحكامُهم، فكيف يباحُ حيث تجرى عليه أحكامُهم في تجارةٍ أوغيرِها؟ وقد كره مالكٌ رحمه الله أنْ يسكنَ أحدٌ ببلدٍ يُسبُّ فيه السلفُ فكيف ببلدٍ يُكفرُ فيه بالرحمن؟ وتُعبدُ فيه من دونِه الأوثانُ؟ لا تستقرُ نفسُ أحدٍ على هذا إلا مسلمٍ مريضِ الإيمان) [16] اه
واعلموا رحمكُم اللهُ أنه لم يحرِّمِ العزيزُ الحكيمُ سبحانه وتعالى ولم ينْه الرسولُ الكريمُ صلى الله عليه و سلم عن شيءٍ إلا إذا ظهرتْ أضرارُه، وعَظُمَتْ أخطارُه، وتعددت مفاسدُه. والعبرةُ بالأخطارِ والأضرارِ الدينيةِ التي يَغْفُلُ عنها جُلُّ المهاجرينَ إلى ديارِ الكفرِ، حيث غرضُهم الأولُ والأخيرُ المصالحُ الدنيوية، والراحةُ الجسدية، والمُتَعُ الزائلة، والأوهامُ المسيطرةُ على أفهامِ وعقولِ كثيرٍ منهم على الرغمِ من أنَّ مخاطرَ الهجرةِ [17] إلى بلادِ الكفارِ والسكنى بين ظهرانِيهِم كثيرةٌ فمنها:
¥