قال ابن عبد البر: الحمد لله كثيرا إن الله عز و جل عفو غفور يحب العفو عن أصحاب العثرات والزلات من ذوي السيئات دون المهاجرين المعروفين بفعل المنكرات والمداومة على ارتكاب الكبائر الموبقات فهؤلاء واجب ردعهم وزجرهم بالعقوبات. الاستذكار (8/ 13)،الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (8/ 147)،الفقه الإسلامي وأدلته (8/ 379)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 315)
مسألة: هجر مرتكب الكبائر.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَجْرِهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الْكَبَائِرِ بِعُقُوبَتِهِ بِيَدِهِ إنْ كَانَ حَاكِمًا أَوْ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ يَرْفَعُهُ لِلْحَاكِمِ أَوْ بِمُجَرَّدِ وَعْظِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ زَجْرُهُ وَإِبْعَادُهُ عَنْ فِعْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ بِهَجْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَجَاهِرَ بِالْكَبَائِرِ لَا يَجِبُ هِجْرَانُهُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مُخَالَطَةِ الْكَبَائِرِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ زَجْرِهِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ يَسْتَطِيعُ هِجْرَانَهُ لِخَوْفِهِ مِنْهُ بِعَدَمِ مَوَدَّتِهِ وَمُخَالَطَتِهِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُدَاهَنَتُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا لَنَبَشُّ فِي وُجُوهِ قَوْمٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ، يُرِيدُ بِهِمْ الظَّلَمَةَ وَالْفَسَقَةَ الَّذِينَ يُتَّقَى شَرُّهُمْ، يَتَبَسَّمُ فِي وُجُوهِهِمْ وَيُشْكَرُونَ بِكَلِمَاتٍ مُحِقَّةٍ .. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (8 / ص 148)، مجموع الفتاوى (24/ 286)
وفي مجموع فتاوى ابن باز (5/ 400) لما تكلم عن هجر أصحاب الكبائر
قال رحمه الله: .. أما من أظهرها وجاهر بها فالواجب أن يقام عليه حدها, وأن يرفع أمره إلى ولاة الأمور , ولا تجوز صحبتهم ولا مجالستهم, بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمن عليهم بالتوبة إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرا , فالواجب الإنكار عليهم دائما بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله. ولا يجوز اتخاذهم أصحابا , بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة ...
مسألة: لعن مرتكب الكبيرة.
يجوز لعن غير المعيّنين من أهل الكبائر لما ورد: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لعن الواصلة والمستوصلة , ولعن آكل الرّبا , ولعن المصوّر , وقال: «لعن اللّه من غيّر منار الأرض» , لأنّ المراد: الجنس لا الأفراد. ويكون اللّعن لبيان أنّ تلك الأوصاف: للتّنفير عنه , والتّحذير منه , لا لقصد اللّعن على كلّ فردٍ من هذه الأجناس , لأنّ لعن الواحد المعيّن كهذا الظّالم لا يجوز , فكيف كل فردٍ من أفراد هذه الأجناس , وإذا كان المراد الجنس لما قلنا من التّنفير والتّحذير , لا يلزم أن تكون تلك المعاصي من الكبائر خلافاً لمن ناط اللّعن بالكبائر , لأنّه ورد اللّعن في غيرها.
راجع:التمهيد (13/ 144)، الفواكه الدواني (8/ 231)، رد المحتار (12/ 25)، حاشية الجمل على المنهج (2/ 345)، إعانة الطالبين (4/ 323)
أمّا المعيّن من أهل الكبائر فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء:
فالمذهب عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة وهو قول ابن العربيّ من المالكيّة , أنّه لا يجوز لعنه لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنّه أتى بشارب خمرٍ مراراً فقال بعض من حضره: اللّهمّ العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: فواللّه ما علمت أنّه يحب اللّه ورسوله». رد المحتار (12/ 25)، حاشية الجمل على المنهج (2/ 345)
وذهب شيخ الإسلام إلى أن لعن المعين ينهى عنه وفيه نزاع وتركه أولى. مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية (1/ 476)، مجموع الفتاوى (6/ 511)
وفي قولٍ عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه يجوز لعن الفاسق المعيّن لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ أو لأحد قنت بعد الركوع, كان يقول في بعض صلاة الفجر: «اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب».طرح التثريب (2/ 494)، نيل الأوطار (6/ 262)، الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 37 / ص 277)
وقال القرطبي وابن حجرٍ: إنّه لا يجوز لعن من أقيم عليه الحد لأنّ الحدّ قد كفّر عنه الذّنب , ومن لم يقم عليه الحد فيجوز لعنه سواء سمّي أو عيّن أم لا , لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا من تجب عليه اللّعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للّعن , فإذا تاب منها وأقلع وطهّره الحد فلا لعنة تتوجّه عليه.تفسير القرطبي - (ج 2 / ص 189) فتح الباري (12/ 76)
وسبب الخلاف:هو أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة وهذا لا يليق أن يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب قال ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر. نيل الأوطار (6/ 262)
¥