القول الأول:أنَّ الإصرار على الصغيرة يُصَيِّرُهَا كبيرة، كما جاء عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كابن عباس وغيره. وهذا قول الحنفية (العناية شرح الهداية (10/ 461)،رد المحتار (22/ 165)، والشافعية (حاشية البجيرمي على الخطيب (14/ 79)، كتاب الإبهاج في شرح المنهاج (2/ 179).
راجع لهذا القول: شرح النووي على مسلم (2/ 87)،فتح الباري لابن حجر (1/ 319)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (15/ 293)، إغاثة اللهفان (2/ 151)،مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (15/ 75)، الاعتصام للإمام الشاطبي (1/ 337)،شعب الإيمان للبيهقي: 1/ 269؛ إحياء علوم الدين للغزالي: 4/ 32؛ الفروق للقرافي: 4/ 67؛ البحر المحيط للزركشي: 4/ 277؛ الفواكه الدواني للنفراوي: 1/ 92؛ بدائع الصنائع للكاساني: 5/ 405؛ حاشية قرَّة عيون الأخبار تكملة ردّ المحتار7/ 113.
القول الثاني: أنَّ الصغائر تختلف، وأنَّ الإصرار على الصغائر لِمَنْ تَرَكَ الكبائر لا يبقى معه صغيرة؛ لأنَّ الله - عز وجل - جعل الصلاة إلى الصلاة مُكَفِّرَات لما بينهن، إذا اجتُنِبَتْ الكبائر وجعل رمضان إلى رمضان مُكَفِّرَاً لما بينهما إذا اجتُنِبَتْ الكبائر، وهكذا العمرة إلى العمرة، وهكذا الحج ليس له جزاء إلا الجنة، الحج المبرور «ومن حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (البخاري (1521))، ونحو ذلك من الأذكار التي يمحو الله بها السّيئات، كذلك إتباع السّيئة الحسنة، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الموحد الذي لم يفعل الكبائر فإنَّ هذه العبادات العظيمة بفضل الله - عز وجل - تمحو عنه الصغائر التي وقعت منه، فلا يُتَصَوَّرْ أنَّ الصغائر تجتمع في حقه فتتحول إلى كبيرة، وهذا النّظر ظاهر من حيث الاستدلال.
ومن قال: إنَّ المُدَاوَمَة على الصغائر تحولها إلى كبيرة. يحتاج إلى دليل واضح من الكتاب أو السنة، والأدلة كما ذكرت تدلُّ على أنَّ الصغيرة من الموحد تُكَفَّرْ، فلا تجتمع عليه؛ ولكن هذا بشرط اجتناب الكبائر كما قال - عز وجل - {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفَّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء:31].
راجع لهذا القول: شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ، كتاب «تحرير المقال في موازنة الأعمال» لأبي طالب القضاعي، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/ 111) للشوكاني، قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز (1/ 36)،البحر المحيط للزركشي: 4/ 277
مسألة: صلاة الجنازة على أهل الكبائر.
فمذهب الحنفية: يصل الإمام وغيره على أهل الكبائر إلا الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ،فلا يصلى عليهم .. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 290)
ومذهب المالكية: لا يصل الإمام وأئمة الدين على الذي قتل نفسه ولا على من أقام عليه الحدود ليكون ذلك زاجرا لمن خلفهم، ولكنهم لا يمنعون الصلاة عليهم بل يأمر بذلك غيرهم.الاستذكار (5/ 85)
ومذهب الشافعية: يصل الإمام وغيره على أهل الكبائر بدون استثناء. المجموع (5/ 267)
ومذهب الحنابلة: يصل الإمام على سائر المسلمين من أهل الكبائر،ولا يصلي الإمام على الغال ولا من قتل نفسه.المغني (2/ 418)
قال شيخ الإسلام: وأما من كان مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر فهؤلاء لابد أن يصلى عليهم بعض المسلمين ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجرا لأمثاله عن مثل ما فعله كما امتنع النبي عن الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغال وعلى المدين الذي لا وفاء له وكما كان كثير من السلف يمتنعون من الصلاة على أهل البدع كان عمله بهذه السنة حسنا وقد قال لجندب بن عبد الله البجلى ابنه إني لم أنم البارحة بشما فقال أما انك لو مت لم أصل عليك كأنه يقول قتلت نفسك بكثرة الأكل وهذا من جنس هجر المظهرين للكبائر حتى يتوبوا فإذا كان في ذلك مثل هذه المصلحة الراجحة كان ذلك حسنا ومن صلى على أحدهم يرجو له رحمة الله ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان ذلك حسنا ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان تحصيل المصلحتين أولى من تفويت أحداهما وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وكل من أظهر الكبائر فإنه تسوغ
¥