المسلمون أن التوبة على المذنب فرض والفروض لا يصح أداء شيء منها إلا بقصد ونية (واعتقاد أن لا عودة) فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر ولا نادم على ذلك فمحال ... وهذا قول غَالِبُ الْمُحَدِّثِينَ وَ أكثر الْفُقَهَاء.
راجع: التمهيد (4/ 44)،الفواكه الدواني (1/ 281)،المجموع (6/ 382)، فتح الباري لابن رجب (4/ 15)، فتح الباري لابن حجر (8/ 357)، نيل الأوطار (5/ 5)، شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ (1/ 454).
مسألة: هل الحج يكفر الكبائر أم لابد من توبة؟
الجواب: اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين هما:
القول الأول: الحج المبرور يكفر الكبائر،لظاهر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، ويؤيد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، واحتجوا أيضاً بما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: (حضرنا عمرو بن العاص في الوفاة فحول وجهه تجاه الجدار فأخذ يبكي ثم قال: إني كنت على أطباق ثلاثة ثم ذكر أنه أتى النبي يريد أن يبايعه فقال: يا رسول الله أبسط يدك لأبايعك! فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده فقبض عمرو يده فقال عليه الصلاة والسلام: مالك يا عمرو؟ قال: أردت أن اشترط! قال: تشترط بماذا؟ قال: اشترط أن يغفر الله لي. فقال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الحج يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها).
وليس في هذا الحديث أن التوبة تهدم ما قبلها. بل لا يصح بهذا اللفظ حديث والشاهد أن الحج يهدم ما كان قبله ولا شك أن الصغائر تمحوها الصلاة والوضوء وما أشبه ذلك فلا يعبر بشيء أنه يهدم إلا بشيء قائم وهو الذنوب الكبار. والاستدلال بهذا ظاهر على أن الحج يكفر الذنوب الكبار.
راجع: رد المحتار (9/ 157)، والفواكه الدواني (1/ 287)، والفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي (3/ 445)، والفروع لابن مفلح (11/ 366) فقد حكاه عن ابن هبيرة، وفتاوى نور على الدرب للعثيمين.
القول الثاني: أن الحج لا يكفر الكبائر، إنما تكفرها التوبة النصوح، واحتجوا بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم} التحريم: 8، وكما قال بعد ذكر صفات عباد الرحمن وأن من يفعل الكبائر يضاعف له العذاب {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل اللَّه سيئاتهم حسنات وكان اللَّه غفورا رحيما} الفرقان:70، أما الأعمال الصالحة غير التوبة فلا تكفر الكبائر، لأن هذه الأعمال الصالحة لا تؤثر في تكفير الذنوب الصغيرة إلا إذا اجتنيت الكبائر كما تقدم في حديث مسلم. وعلى هذا قالوا: إن النصوص العامة التي فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب - كحديث الحج المتقدم - مخصوصة بالذنوب الصغيرة، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة.
راجع: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 477) عن الْقَاضِي عِيَاضٌ، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (الجزء 11/ 13) السؤال الأول من الفتوى رقم (6614)، وشرح سنن أبي داود لعبدالمحسن العباد.
وبالتالي فالحج أو غيره من الطاعات لا يكفر الذنب الذي فيه حق للعباد حتى تبرأ الذمة منه ويؤيد ذلك أن الشهادة في سبيل اللَّه، وهى في قمة الأعمال الصالحة، لا تكفِّر حقوق العباد، كما ورد في حديث مسلم " يغفر اللَّه للشهيد كل شيء إلا الديْن ".
أما الذنوب التي هي حق للَّه فهي قسمان، قسم فيه بدل وعوض، وقسم ليس فيه ذلك، فالأول كمن أذنب بترك الصلاة أو الصيام فلا يكفر إلا بقضاء ما فاته من صلاة وصيام كما وردت بذلك النصوص الصحيحة، والثاني كمن أذنب بشرب الخمر مثلا، فإن مجرد تركه والتوبة منه يكفره اللّه تعالى، والتوبة تكون بإقامة الحد عليه إن كانت الحدود تقام، وإلا فهي الإِقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العود.
¥