تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فننظر الآن إلى هذه العلة هل هي منطبقة في التصوير الفوتوغرافي، أو أنها غير منطبقة، المضاهاة معناها المحاكاة والمشابهة، والواقع أن التصوير الفوتوغرافي الذي شرحنا كيفيته ليس فيه محاكاة ولا مشابهة، وإنما فيه تسليط للأشعة على الجسم المراد تصويره، فتنبعث من هذا الجسم أشعة ثم تلتقط من قبل عدسة التصوير، وتثبت بطريقة كيميائية، هذه الصورة الحقيقية التي خلقها الله U فهي ليس فيها مضاهاة في الواقع، وإنما فيها نقل للصورة الحقيقية التي خلقها الله U ولهذا كان الناس قديما هنا في المملكة لا يسمونها صورة، وإنما يسمونها عكس ويسمون الصور عكوسا، ولهذا بعضهم يقول: إن هذا هو الاسم الصحيح لها إنها عكس وليست صورة، عكس للصورة الحقيقية التي خلقها الله U .

وهذا هو القول الراجح والله أعلم في هذه المسألة، أن هذا النوع من التصوير التصوير الآلي بأنواعه لا يدخل في التصوير المحرم شرعا، وأما ما ذكره أصحاب القول الأول من أدلة، فهي ترجع إلى ثلاثة:

أولا: قولهم إنها تسمى صورة لغة وشرعا وعرفا، هذا محل نظر، نقول أولا: كونها تسمى صورة لغة، الصورة مدلولها اللغوي واسع؛ فإنها تطلق على كل هيئة وشكل، وأما شرعا: فتسميتها بصورة بالمعنى الشرعي محل نظر، وتسميتها عرفا كما ذكرنا تسمية غير دقيقة، وتسمية الأشياء بغير مسماها الحقيقي لا ينقل الحكم، ولا يؤثر في الحكم، ولهذا لو أن الناس سموا الخمر لو سموه تسمية أخرى كأن سموه مثلا الخمر مشروبا روحيا فهل معنى ذلك أن الخمر لا يكون محرما؟ أبدا بل إنه جاء في سنن أبي داود أن النبي r قال: , ليكونن من أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها - فلو سمى الناس الخمر بغير اسمه لا ينقله هذا من حكم التحريم، ولو سمى الزنا بغير اسمه لا ينقله من حكم التحريم.

فتسميتها صورة، هذا ليس مبررا للقول بتحريمها، ولهذا فإن صورة الإنسان في المرآة تسمى صورة، وينظر يقال: نظر الإنسان إلى صورته في المرآة، هل معنى ذلك أن صورة الإنسان في المرآة محرمة لكونها تسمى صورة؟ أبدا لم يقل بهذا أحد من أهل العلم، فنقول: إن تسميتها صورة من باب التجوز في العبارة، وإلا فإنها عكس، وتسميتها صورة لا ينقل، لا يؤثر في الحكم.

وأما القول بأن المصور يبذل جهدا وعملا، فهذا غير مؤثر في الحكم أيضا، كونه يبذل أو لا يبذل لا يؤثر المهم تحقق علة التصوير، هل تتحقق علة التصوير؟ سواء بذل جهدا أو لم يبذل، ولذلك فإن من ينظر إلى صورته في المرآة قد يبذل جهدا لكي ينظر إلى صورته في المرآة، فبذل الجهد أو عدم بذله لا يؤثر في الحكم في هذه المسألة، وأما ما ذكره أصحاب هذا القول بأن علة التصوير وهي مضاهاة تنطبق على هذا النوع من التصوير؛ لأن فيها مضاهاة شديدة فغير مسلم؛ لأن المضاهاة هي المحاكاة والمشابهة، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: , ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي -؛ ولهذا فإن يعني الناس عندما يرون الصورة بالآلة لا يتعجبون، هم يعرفون أنها إنما نقلت بهذه الآلة لكن لو أن أحدا من الناس رسم صورة هذا الإنسان وكان رسمه دقيقا يتعجب الناس، كيف استطاع هذا الإنسان أن يرسم هذه الصورة، فالقول بأن علة المضاهاة متحققة غير صحيح، بل إنها غير متحققة؛ لأنها إنما هي في الحقيقة حبس للصورة الحقيقية التي خلقها الله U .

فالتصوير الآلي بأنواعه هو في الحقيقة شبيه لصورة الإنسان في المرآة إلا أن هذه الصورة قد ثبتت وعولجت بطرق كيميائية وطرق معينة فخرجت على هذا النحو.

ثم إن القول بتحريم التصوير الآلي يقتضي تأثيم أكثر الأمة، وأنهم قد ارتكبوا كبيرة من كبائر الذنوب، وأنهم ملعونون على لسان النبي r من يفعل مثل تلك الصور، وهذا القول فيه خطورة بالغة في أمر لم يتضح اتضاحا نستطيع أن نجزم معه بالتأثيم لأكثر الناس، ثم إننا قد قررنا أنه لا فرق بين التصوير الفوتوغرافي والتصوير التليفزيوني، وهذا يلزم منه أن كل من خرج في التلفاز سواء في القناة الإسلامية أو في غيرها، يلزم منه أنه يبيح التصوير بأنواعه؛ لأن مجرد خروجه يلزم منه ذلك، حتى وإن خرج في قناة إسلامية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير