مثاله: الأكل على الطاولة: فلربما كان ذلك قد فعله ابتداءً غير المسلمين، ولكنه انتشر في الناس وليس من خصائص الكفار الدينية، فصار ذلك مشتركاً بين المسلمين وبين الكفار، فهذا يجوز للمسلم أن يفعله، أي يجوز لنا أن نأكل على هذه المقاعد وعلى هذه الطاولات وما إلى ذلك؛ لأن ذلك لم يعد مما يختص بهم.
القاعدة الثالثة:
"ما كان منهياً عنه للذريعة فإنه يفعل للمصلحة الراجحة"
وهذه من أنفع القواعد؛ ذلك أن الأمور المنهي عنها إما أن تكون منهي عنها قصداً، وإما أن تكون منهي عنها من باب النهي عن وسائل الفساد، يعني نهي عنها لا لضرر فيها، وإنما لما تفضي إليه من المفاسد، فهذه يقال لها: الذرائع،
مثال ذلك:
البناء على القبور وتجصيص القبور أمر محرم.
لكن هل هو محرم لذاته؟ أو أنه محرم لأنه يفضي إلى أمر نهى عنه الشارع وحرمه، وهو عبادة هذه القبور من دون الله تبارك وتعالى؟
لا شك أن النهي عن الكتابة على القبور وعن تجصيصها، وعن البناء عليها، وعن الصلاة في المقابر إنما كان من باب الوسائل؛ لأنه يفضي إلى عبادة هؤلاء المقبورين وتعظيمهم من دون الله تبارك وتعالى.
فالقاعدة في هذا الباب أن كل ما كان منهياً عنه للذريعة -يعني من باب الوسائل- فإنه يفعل للمصلحة الراجحة.
وأمثلة ذلك كثيرة، ومنها:
جاء النهي عن زخرفة المساجد، وأن ذلك من فعل غير المسلمين، وفي عهد عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- لما ولي الخلافة كان جامع دمشق قد زين بألوان التحف والأحجار النفيسة، فلما كانت خلافة عمر أراد أن ينزع ذلك جميعاً من سواري المسجد ومن جدرانه، وقد بذل المسلمون فيها الأموال الطائلة، فلما قال ذلك لخاصته قالوا له: إن هذه قد بذلت فيها أموال المسلمين، وجلبت من بلاد الروم، وتعب المسلمون فيها، فبينما هم كذلك يتشاورون في هذا المعنى، إذ جاء رجل عظيم من أهل دين النصارى من الروم، فلما دخل جامع دمشق نظر إليه فعظمّه، وقال: إن أمة قد بنت هذا إنها أمة عظيمة لها شأن!
عظمت هذه الأمة في عينيه، فلما رأى ذلك عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- امتنع من إزالة تلك الأحجار من سواري المسجد ومن جدرانه، فتزيين هذه الجدران منهي عنه من باب الوسائل، فتركه عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لوجود مصلحة راجحة وهي ما ذكرنا.
ومن أمثلة ذلك أيضا:
أن يلبس المسلم زي الكفار، إذا كان في بلادهم وخشي على نفسه الضرر فإنه يجوز أن يتزيا بزيهم، ولا يكون في هذه الحال مذموماً، ولا متشبهاً بهم -كما ذكر ذلك الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) -؛ وذلك لدفع مفسدة، وهي خشية الضرر على نفسه، أو لتحصيل مصلحة راجحة، كأن يأتي بأخبارهم للمسلمين، وأن يطلع على عوراتهم.
وبالمقابل يقال:
إن الفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة فإنه ينهى عنه، كالصلاة في أوقات النهي، فنحن منهيون أن نصلي بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، وقد علل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، وعندئذٍ يسجد لها الكفار [1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn1).
فنحن منهيون عن الصلاة في هذه الأوقات لما فيه من محاكاة الكفار ومن التشبه بهم، وليس فيه مصلحة راجحة.
وكذلك أيضاً اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ليس فيه مصلحة راجحة، بل فيه مفسدة راجحة، وهي أن تعبد هذه القبور من دون الله -تبارك وتعالى-.
القاعدة الرابعة:
"المخالفة للكفار تكون في أصل الفعل أو في وصفه أو في حكمه"
فتكون في أصله:
إذا كان هذا الفعل في أصله ليس مشروعاً لنا، كعيد الميلاد عند الكفار أو ما يسمى بعيد رأس السنة، فهذا ليس مشروعاً لنا من أصله، فعندئذٍ لا يجوز لنا أن نفعله أصلاً.
وتكون المخالفة في وصفه:
إذا كان أصله مشروعاً لنا، وذلك أننا نصوم يوم عاشوراء واليهود يصومون في يوم عاشوراء؛ لأن الله نجى فيه موسى -صلى الله عليه وسلم- فعندئذٍ نخالفهم في وصفه، وذلك أننا نتسحر واليهود لا يتسحرون، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن الفرق بين صومنا وبين صوم أهل الكتاب أكلة السحر.
¥