تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الناس قبل بعثة الرسل يقعون في نوعين من عبودية غير الله، نوع مادي حسّي، بمعنى أنّهم يتوجهون بعبادات معينة لطاغوت إما بشر أو حجر أو شجر أو حيوان أو غير ذلك من المعبودات من دون الله. والنوع الثاني عبودية لأنواع من السلوكيات والملذات الّتي يربطهم بها ولاء أقرب ما يكون إلى العبودية، ولمّا كان الاستلاب والرضوخ في هذه العادات ليس بأفعال عبادية ولكون المعبود لا يبرز متجسدا جعلها الله من جنس المحرمات لا من جنس الإشراك.

وسأضرب لذلك مثالين مشهورين كالتمهيد لما أعني.

أوّلهما: الخمر، ماذا كانت الخمر في حياة العرب؟

كانت علاقة العربي بالخمر أشبه ما يكون بالعبودية، تسيطر عليه وعلى قراراته واختياراته، فجاء التحريم ليس فقط لمسألة إذهاب العقل فهذه كان يمكن حلّها بتحريم شرب ما يصل إلى حد الإسكار، لكن الحقيقة أنّ التحريم جاء حتّى لشرب قطرة واحدة، لماذا؟

لقطع علائق الاستعباد الّتي كان الشيطان يسيطر بها على العرب بواسطة الخمر، وهذا الكلام ملحوظ بقوة في قوله صلّى الله عليه وسلّم: {مدمن الخمر ان مات لقى الله كعابد وثن} [صححه الألباني في الصحيحة677]

أرأيت التشبيه؟

«عابد وثن» هكذا يلقى الله من مات على إدمان الخمر، ولاحظ أنّ هذا الوعيد للمدمن وليس لمن يشرب بلا إصرار، وهذا يؤكد أنّ الشّارع حين حرّم الخمر كان ملحظ العبودية موجودا حاضراً، إذن فتحريم الخمر كان جزءا من مهمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بتحرير الإنسان من عبودية أيّ شيء غير الله وهذا هو محض التوحيد.

ثانيهما: الزنا، أيضا فيه نوع من التعلق والعبادة والسيطرة، إنّ الزاني وهي ينساح أمام غريزته وشهوته ويصبح مطواعا لندائها في أيّ وقت إنّه بذلك يمارس نوعا من العبادة، أعني الذلّ وانعدام الإرادة والاختيار، فالعبودية في حقيقتها ذلّ وإلغاء للاختيار تجاه المعبود، وهذا أمر لا ينبغي إلاّ لله، أمّا الزّنا فهو من أبشع صور الذلّ وفقدان الإرادة، حتى سمعنا وشاهدنا من يسجد لمحبوبه ومعشوقه، ولهذا حرّمه الله تعالى، دعك عنك – الآن - غير ذلك من الحكم كاختلاط الأنساب وشيوع القتل فهذه أمور - وإن كانت حقا - قد يجادل فيها بعض المتفلسفة.

ولهذا - أيضا - نجد أنّ الإسلام أباح الاستمتاع بين الرجل والمرأة من خلال الزواج بكل تكاليفه ومسؤولياته التي تحوّل المعاشرة من عادة وسلوك إدماني يسيطر على صاحبه إلى مسؤولية وحق ولهذا ما أكثر من يتهرب من معاشرة زوجته ويهرع إلى الزنا، لماذا؟ مع أنّ العملية من الناحية الشكلية واحد؟

أليس ذلك دليل على أنّ الجنس في صورة الزنا هو نوع من العبودية.

ومما يدلك على ذلك أنّ الإسلام حرّم أو كره الزواج الّذي يختصر العلاقة بين الرجل والمرأة في المعاشرة كنكاح المتعة ونحوه مما ابتكره الناس اليوم كالمسيار في أغلب صوره، لماذا؟ أيضا للسبب الذي قلته، لأنّه يكشف العلاقة الجنسية ويزيل عنها قيود المسؤولية الّتي شرعها الله في الزواج الحقيقي الّذي تختفي فيه عبودية الإنسان لفرجه.

وقد جاء بسند ضعيف جدا: «المقيم على الزنا كعابد وثن».

الله يغار

إنّ الله تعالى يغار كما هو ثابت في السنة قال صلّى الله عليه وسلّم: {واللهُ أغير مني ولهذا حرّم الفواحش}.

ومن أثر ذلك أنّه يغار على عبده وصفيّه أن يكون لمخلوق مثله أيّ نوع من السيطرة عليه، سواء كان ذلك بالحبّ الشديد أو الخوف الشديد، ولهذا عد العلماء من أنواع العبادة القلبية التي لا يجوز الإشراك فيها المحبة والخوف، حتى قال بعض العلماء إنّ هذا هو سبب ابتلاء إبراهيم عليه السلام حين أمر بذبح ابنه إسماعيل، وذلك لما رأى من تعلقه به.

نأتي الآن إلى الموسيقى، وأظنّ أحداً من الناس لا يخفى عليه أنّ الموسيقى لها تأثير في الإنسان، تأثير يفقد معه السامع قدرته على السيطرة على مشاعره، فقد يبكي ويذرف الدموع لا بسبب إلاّ موسيقى محزنة، وقد ينتشي ويقفز فرحا وطربا بلا سبب إلاّ موسيقى تشعره بالسعادة، وقد تجده هادئا مستكينا كما يفعل بعض الشباب الآن حين يمشي في جانب الطريق بسيارته بسرعة بطيئة لأنّه يسمع موسيقى ذات إيقاع بطيء هادئ، بينما تجده أحيانا مسرعا مجازفا مخاطِرا لأنّه يستمع إلى نوع من الموسيقى السريعة الصاخبة كالأغاني الغربية مثلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير