تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[افتتاحية مجلة البيان مقال رائع]

ـ[أبو القاسم المصري]ــــــــ[12 - 04 - 09, 10:34 م]ـ

لا تمنعوها أو تُضيِّقوا مسالكها!

إنها سبيل النجاة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير الداعي إلى كل خُلُق حميد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من الأمور التي فضَّل الله بها الإنسان على غيره ممن خلق؛ القدرةَ على التمييز بين الخير والشر، وقدرته على الاهتداء للحق والعمل به والدعوة إليه، فامتاز بذلك عما سواه من المخلوقات الأخرى كالجمادات والحيوانات؛ من أجل ذلك أمر الله - تعالى - الإنسان بالخير ونهاه عن الشر، وأعطاه من الأدوات ما يتمكَّن به من إدراك ذلك على الوجه الصحيح؛ فأرسل له الرسل وأنزل عليه الكتب لإخراجه من الظلمات إلى النور بإذن ربه إلى صراط العزيز الحميد.

وإلى جانب اهتداء الإنسان بما أنزل الله إليه؛ فقد كُلِّف بأن يقوم بما يقوم به الأنبياء والمرسلون من الدعوة إلى الله - تعالى - وإلى دينه القويم، ومن ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والمعروفُ كلُّ أمرٍ أقرَّته الشريعة أو قبلته وحضَّت على الإتيان به، والمنكَر كل أمر أَبَتْه الشريعة ورفضته ودعت إلى الابتعاد عنه وعدم قربانه. وقد علم الله - تعالى - أن القيام بهذه الفريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ليس بالأمر الهين أو اليسير، بل تعترضه عقبات وصعوبات من نواحٍ متعددة. ونظراً لما يترتب على القيام بها من منافع وخيرات تعود على الفرد والجماعة في دروب الحياة جميعها؛ فقد بينت النصوص فضل هذه الفريضة وفضل القائمين بها، وحرَّضت على القيام بها أيما تحريض، كما حذَّرت من التقاعس عن القيام بأدائها، أو معاندتها، أو محاولة القيام بأي شيء يساعد على تعطيلها أو التضييق عليها، أو على القائمين بها، حتى قرنت عقاب المانعين لها بعقاب الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء، فقال - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 12].

فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وقد تعددت النصوص في بيان فضل القيام بهذه الفريضة وفضل القائمين بها، وهي كثيرة وليس المقام مقام تعدادها، ويكفي هذه الفريضةَ شرفاً وفضلاً أن جعلها الله - تعالى - من الصفات اللصيقة التي مدح بها رسولَه الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال - تعالى -: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ} [الأعراف: 751]، كما وصف بها أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة: 17]، ثم جاءت الآية الجامعة التي جعلت هذه الشعيرة عنواناً لخيرية هذه الأمة، فقال - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران: 011].

كما بينت النصوص أن القيام بها دليل فلاح القائمين بها، فقال - تعالى -: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 401]، والأحاديث في ذلك كثيرة أيضاً.

صفات من يعاندون أو يعارضون هذه الفريضة:

وهذه الفريضة على ما فيها من شرف وفضل وعلوِّ منزلة؛ إلا أن هناك من يبغضها ويعاندها ويسعى في إبطالها ويعمل بعكسها؛ فيكون من الآمرين بالمنكر بدلاً من الآمرين بالمعروف، ومن الناهين عن المعروف بدلاً من الناهين عن المنكر، وهذه حالة معكوسة وقلوب أصحابها منكوسة، لا تحب الخير أو تلتذُّ به، بل تزدريه، وتستعذب الشرور وترتاح لها، فهو كمن يستعذب المياه النجسة وتأبى نفسه الارتواء بماء زمزم؛ لذا لا يقع فيها من خالط الإيمانُ قلبَه وسرت فيه حلاوته، وقد قال الله - تعالى - في أشباههم: {وَإن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير