تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال صاحب "الكشاف": لمن كان له قلب واع؛ لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له، وإلقاء السمع والإصغاء، {وهو شهيد} أي: حاضر بفطنته؛ لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب؛ أو هو مؤمن شاهد على صحته وأنه وحي من الله، وهو بعض الشهداء في قوله: {لتكونوا شهداء على الناس}، وعن قتادة: وهو شاهد على صدقه من أهل الكتاب لوجود نعته عنده.

فلم يُختلف في أن المراد بالقلب القلب الواعي، وأن المراد بإلقاء السمع إصغاؤه وإقباله على الذكر وتفريغ سمعه له.

واختُلِف في الشهيد على أربعة أقوال:

أحدها: أنه من المشاهدة، وهي الحضور، وهذا أصح الأقوال، ولا يليق بالآية غيره.

الثاني: أنه شهيد من الشهادة.

وفيه على هذا ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه شاهد على صحة ما معه من الإيمان.

الثاني: أنه شاهد من الشهداء على الناس يوم القيامة.

الثالث: أنه شهادة من الله عنده على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم بما علمه من الكتب المنزلة.

والصواب القول الأول، فإن قوله: {وهو شهيد} جملة حالية، والواو فيها واو الحال، أي: ألقى السمع في هذه الحال، وهذا يقتضى أن يكون حال إلقائه السمع شهيدا وهذا من المشاهدة والحضور.

ولو كان المراد به الشهادة في الآخرة أو الدنيا لما كان لتقييدها بإلقاء السمع معنى، إذ يصير الكلام: إن في ذلك لآية لمن كان له قلب أو ألقي السمع حال كونه شاهدا بما معه في التوراة، أو حال كونه شاهدا يوم القيامة! ولا ريب أن هذا ليس هو المراد بالآية.

وأيضا فالآية عامة في كل من له قلب وألقى السمع، فكيف يُدّعى تخصيصها بمؤمني أهل الكتاب الذين عندهم شهادة من كتبهم على صفة النبي صلى الله عليه و سلم؟! وأيضا فالسورة مكية والخطاب فيها لا يجوز أن يختص بأهل الكتاب، ولا سيما مثل هذا الخطاب الذي علق فيه حصول مضمون الآية ومقصودها بالقلب الواعي وإلقاء السمع، فكيف يقال: هي في أهل الكتاب؟!

فإن قيل: المختص بهم قوله: {وهو شهيد}! فهذا أفسد وأفسد، لأن قوله: {وهو شهيد} يرجع الضمير فيه إلى جملة من تقدم وهو: من له قلب أو ألقى السمع، فكيف يُدّعى عوده إلى شيء غايته أن يكون بعض المذكور أولا، ولا دلالة في اللفظ عليه، وأيضا فإن المشهود به محذوف، ولا دلالة في اللفظ عليه، فلو كان المراد به: وهو شاهد بكذا، لذكر المشهود به، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، وهذا بخلاف ما إذا جعل من الشهود - وهو الحضور - فإنه لا يقتضى مفعولا مشهودا به، فيتم الكلام بذكره وحده.

وأيضا، فإن الآية تضمنت تقسيما وترديدا بين قسمين، أحدهما: من كان له قلب، والثاني: من ألقى السمع وحضر بقلبه ولم يغب، فهو حاضر القلب شاهده لا غائبه؛ وهذا -والله أعلم- سر الإتيان بأو دون الواو، لأن المنتفع بالآيات من الناس نوعان:

أحدهما: ذو القلب الواعي الزكي الذي يُكتفى بهدايته بأدنى تنبيه، ولا يحتاج إلى أن يستجلب قلبه ويحضره ويجمعه من مواضع شتاته، بل قلبه واع زكي قابل للهدى غير معرض عنه، فهذا لا يحتاج إلا إلى وصول الهدى إليه فقط، لكمال استعداه وصحة فطرته، فإذا جاءه الهدى سارع قلبه إلى قبوله كأنه كان مكتوبا فيه، فهو قد أدركه مجملا ثم جاء الهدى بتفصيل ما شهد قلبه بصحته مجملا.

وهذه حال أكمل الخلق استجابة لدعوة الرسل،كما هي حال الصديق الأكبر - رضي الله عنه -.

والنوع الثاني: من ليس له هذا الاستعداد والقبول، فإذا ورد عليه الهدى أصغى إليه بسمعه وأحضر قلبه وجمع فكرته عليه وعلم صحته وحسنه بنظره واستدلاله، وهذه طريقة أكثر المستجيبين، ولهم نُوِّعَ ضرب الأمثال وإقامة الحجج وذكر المعارضات والأجوبة عنها؛ والأولون هم الذين يدعون بالحكمة، وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة، فهؤلاء نوعا المستجيبين.

وأما المعارضون المدعون للحق فنوعان:

نوع يدعون بالمجادلة بالتي هي أحسن، فإن استجابوا وإلا فالمجالدة؛ فهؤلاء لابد لهم من جدال أو جلاد.

ومن تأمل دعوة القرآن وجدها شاملة لهؤلاء الأقسام، متناولة لها كلها، كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.

فهؤلاء المدعوون بالكلام.

وأما أهل الِجلاد فهم الذين أمر الله بقتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير