تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - من آداب الأكل الاعتدال في الطعام وعدم ملء البطن، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا: ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس لحديث: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلثا لنفسه». ولاعتدال الجسد وخفته، لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل، ويعرف الثلث بالاقتصار على ثلث ما كان يشبع به، وقيل يعرف بالاقتصار على نصف المد، واستظهر النفراوي الأول لاختلاف الناس.

وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع، وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة، واعتدال البدن.

وفي الفتاوى الهندية: الأكل على مراتب: فرض: وهو ما يندفع به الهلاك فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى.

ومأجور عليه، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما، ويسهل عليه الصوم.

ومباح، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا وزر ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل.

وحرام، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد، أو لئلا يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع.

وقال ابن الحاج: الأكل في نفسه على مراتب، واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحرم، فالواجب: ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه، لأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب.

والمندوب: ما يعينه على تحصيل النوافل وعلى تعلم العلم وغير ذلك من الطاعات.

والمباح: الشبع الشرعي.

والمكروه: ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به.

والمحرم: البطنة. وهو الأكل الكثير المضر للبدن.

وقال النووي: يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه.

وقال الحنابلة: يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه. وفي الفتية: يكره مع خوف تخمة.

ونقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة كما نقل عنه تحريمه.

وسئل ابن حجر الهيثمي: هل الشبع بدعة مذمومة مطلقا أم لا وما معنى خبر {ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه} وخبر {المؤمن يأكل في معى واحد}؟

(فأجاب) بقوله الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال {ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس} قال القرطبي لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال غيره إنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد بالثلث في كل الحقيقة أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة ظاهر الخبر الأول لكن الثاني أظهر وقد صح {المؤمن يأكل في معى واحد أي بكسر الميم والقصر وهو المصران والكافر يأكل في سبعة أمعاء} والمراد بالسبعة المبالغة في الكثرة أي من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بالعبادة ولعلمه بأن القصد من الأكل الإعانة عليها لا غير ومن شأن الكافر التكثر منه لغفلته عن ذلك وإنما عبرنا بما من شأنه لأن بعض المؤمنين قد يكثر وبعض الكفار قد يقلل فالحاصل أن من شأن المؤمن الزهادة في الدنيا والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر وقيل المراد أن المؤمن يتحصن من الشيطان بالبسملة فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل بخلاف الكافر.

وقيل المراد به كامل الإيمان لأن كماله يستلزم إشغال الفكر فيما بين يديه من الموت وما بعده فيمنعه ذلك من استرسال نفسه في شهواتها

ومن ثم جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال {من كثر تفكره قل مطعمه ومن قل تفكره كثر مطعمه وقسا قلبه} وقالوا لا تدخل الحكمة معدة ملئت طعاما ومن قل طعامه قل مشربه وخف منامه ومن خف منامه ظهرت بركة عمره ومن امتلأ بطنه كثر شربه فيثقل نومه فتمحق بركة عمره ومن اكتفى بدون الشبع حسن اغتذاء بدنه وصلح حال نفسه وقلبه ومن امتلأ من الطعام ساء غذاء بدنه وأشرت نفسه وقسا قلبه وأخرج الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال {إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع في الآخرة} وفي رواية {إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة} وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها {لم يمتلئ جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط} أي شبعا مذموما وهو ما يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن حق القيام بالعبادة ويفضي إلى البطر والأشر والنوم والكسل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير