تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونعود لياقوت الحموي حيث قال عنهما: " وقد رأيت الهرمين وقلت لمن كان في صحبتي غير مرة إن الذي يتصور في ذهني أنه لو اجتمع كل من بأرض مصر من أولها إلى آخرها على سعتها وكثرة أهلها وصمدوا بأنفسهم عشر سنين مجتهدين لما أمكنهم أن يعملوا مثل الهرمين وما سمعت بشيء تعظم عمارته فجئته إلا ورأيته دون صفته إلا الهرمين فإن رؤيتهما أعظم من صفتهما " , هذا وصف ياقوت قبل ثمانمائة سنة وهو ما ينقدح في قلب كل زائر وسائح اليوم.

وهكذا وصفها ابن جبير في رحلته المشهورة , ووصفها ابن الوردي في كتابه خريدة العجائب وأطال جداً في وصفها وبقية الآثار وغيرهم كثير ..

ومن العجائب والطرائف عن اعتقاد قليل من الجهلة في أبي الهول مثلاً ما ذكره الصفدي عن القسطلاني عالم الحديث المصري المتوفى سنة (686) وهو شيخ الحديث بالقاهرة , فقد شاهد في عصره أمراً عجيباً , عند الأهرامات عجباً مثل ذهابهم لأبي الهول وطلبهم منه بعض الحاجات فأذكر كلاماً للصفدي في الوافي بالوفيات:

" وكان يتوجه إلى أبي الهول الذي عند أهرام مصر، وهو رأس الصنم الذي هناك، ويعلو رأسه ويضربه باللالكة، ويقول: يا أبا الهول، افعل كذا، افعل كذا، لأن جماعة من أهل مصر يزعمون أن الشمس إذا كانت في الحمل وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخر _ بشكاعى وباذاورد _ (قلت وهي من أنواع البخور)، ووقف عليه وقال ثلاثاً وثلاثين مرة كلمات يحفظونها، وقال معها: يا أبا الهول افعل كذا، فزعموا أن ذلك يتفق وقوعه، وكان الشيخ قطب الدين يفعل ذلك إهانة لأبي الهول وعكساً لذلك المقصد الفاسد؛ لأن تلك الكلمات ربما تكون تعظيماً له ضرورة." انتهى ما ذكره الصفدي في الوافي بالوفيات (1/ 205).

وما نقلته عن معرفة المسلمين للأهرام إنما هو خواطر , ولو تتبعنا البحث لجاء في صفحات كثيرة جداً , فلا يمكن أن يعيشوا في بلد ثم لا يوجد منهم من يصف البلد وغرائبها وعجائبها وهم سادة التاريخ في العالم اليوم , وهكذا عرف المسلون الأهرام وكتبوا عنها بدون أن يبالغوا أو يجعلوا قولهم هو الحجة القاطعة التي لا تحتمل الخطأ , بل التمسوا الأقوال الأخرى التي نسميها اليوم بالنظريات ودونوها للتاريخ والعظة والعبرة.

فمعرفة أسرار الأهرام وصفتها ليست قرآناً لا يحتمل الخطأ بلهي عرضة للنقد والتحليل , ثم إن معرفتها أو جهلها لا يضر الناس شيئاً , بل هو من الترف العلمي الذي احتاج الناس إليه اليوم , وهي عند المسلمين من ملح العلم ولطائفه وليست غاية وهدفاً تفنى الأعمار في تحصيله , وربما وجد البعض من الأوربيين فيها هرباً من دينه الذي يعتقده إلى دين غامض لا يدري كنهه ومنتهاه.

وإذا شارفنا على الانتهاء من موضوع الأهرامات , فندع بعض الوصف للمقريزي الذي توفي سنة (845هـ) , وهو شيخ مؤرخي مصر والقاهرة , ليصف لنا بعض ما شاهده وسمع به , وأنقل بعض كلامه على طوله ليكون أنيساً للناس وسميراً لهم أن أجدادهم عرفوا خبر هذه الأهرام قبل الغرب الهمجي بمئات السنين.

يقول المقريزي في المواعظ والإعتبار وهو كتاب يصف فيه القاهرة ومصر , ص (1/ 151):

" وأمّا الأهرام المتحدّث عنها فهي: ثلاثة أهرام موضوعة على خط مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط، وبينها مسافات كثيرة وزوايا متقابلة نحو الشرف، واثنان عظيمان جدّاً في قدر واحد، وهما متقاربان ومبنيان بالحجارة البيض، وأما الثالث: فصغير عنهما نحو الربع لكنه مبنيّ بحجارة الصوّان الأحمر المنقط الشديد القوّة والصلابة، ولا يكاد يؤثر فيه الحديد إلا في الزمان الطويل، وتجده صغيراً بالقياس إلى ذينك فإذا أتيت إليه وأفردته بالنظر هالك مرآه وحَير النظر في تأمله.

وقد سلك في بناء الأهرام، طريق عجيب من الشكل والإتقان، ولذلك صبرت على ممرّ الأيام لا بل على ممرّها صبر الزمان، فإنك إذا تأملتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها، والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثالاً في غاية إمكانها، حتى أنها تكاد تحدث عن قوّة قومها، وتخبر عن سيرتهم، وتنطق عن علومهم، وأذهانهم وتترجم عن سيرهم، وأخبارهم، وذلك أن وضعها على شكل مخروط ويبتدئ من قاعدة مربعة، وينتهي إلى نقطة. ومن خواص الشكل المخروط: أن مركز ثقله في وسطه يتساند على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير