تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد عَبّر ياقوت الحموي (وهو من أشهر أدباء وجغرافي المسلمين ومات في القرن السابع الهجري) عن عظمة الأهرام وشدة بنائها , وتكلم عن حيرة الناس في حلّ طلاسمها وأعاجيبها فقال في معجم البلدان (5/ 399): " هي أهرام كثيرة إلا أن المشهور منها اثنان واختلف الناس في أهرام مصر اختلافا جما وتكاد أن تكون حقيقة أقوالهم فيها كالمنام".وهذا الكلام في حقيقة بنائها وطريقته وهيئته عَبّر عنه كبير خبراء الآثار المصرية في العالم وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، وقد كان سابقاً مدير آثار الجيزة حيث قال: " إن عدد النظريات العلمية حول الأهرام التي جمعتها المراكز المتخصصة بلغت خمسة ألآلف نظرية!! " , هذه حيرتهم هو ما عين ما عبر عنه الحموي بقوله إنها كالحلم الذي لا يمكن تصديقه ولا تكذيبه , وهذه المعلومات التي نراها في الصحف والمجلات والكتب , والأسماء الغريبة للملوك التي تكاد حروفها تختصم من شدة كونها متضادة في المخارج , وطريقة النطق لكثير من أسماء الرجال والنساء إنما هي نظريات تختلف قوة بعضها عن بعض , وهذه النظريات فرضت نفسها بقوة الإعلام وربما أثبت العلم بطلانها بعد زمن.

يستمر علماء الإسلام في معرفة قاعدة الهرم وطوله , وقد بينوه منذ فترات طويلة جداً , وهذا يدل على أن علم الآثار من العلوم التي عرفها المسلمون , ولكنهم لم يبالغوا فيها كما يفعله الغرب , ونرى ياقوت الحموي مثلاً يذكر قصة وأسماء غريبة مثل هذه الأسماء التي نقرأها اليوم للملوك الذين بنوا الأهرامات فيقول في قصة طويلة في محاورة مع أحد خبراء الأهرام في العصور القديمة , فيذكر أن ذلك الرجل قال: " قلنا لملكنا سوريد بن سهلوق مر ببناء افرونيات وقبر لك وقبور لأهل بيتك فبنى لنفسه الهرم الشرقي وبنى لأخيه هوجيب الهرم الغربي وبنى لابن هوجيب الهرم المؤزر وبنيت الافرونيات في أسفل مصر وأعلاها وكتبنا في حيطانها علما غامضا من معرفة النجوم وعللها والصنعة والهندسة والطب وغير ذلك مما ينفع ويضر ملخصا مفسرا لمن عرف كلامنا وكتابتنا". وهذا النص نقله الحموي من كتب غيره من علماء مصر وهو القضاعي , ضمن قصة طويلة لا تقل في أعجوبتها عما يذكره خبراء الآثار اليوم.

ومن تتبع كتب البلدان والرحلات للمسلمين منذ القرن الخامس الهجري إلى اليوم سيرى ذكر الأهرام وصفة بنائها حتى قال الحموي " إن حجارتهما نقلت من الجبل الذي بين طرا وحلوان وهما قريتان من مصر وأثر ذلك باق إلى الآن ".

فقد عرف علماء المسلمين أموراً وذلك من خلال النصوص الكثيرة التي نقلوها لنا من خلال مشاهدتهم الخاصة , أو من خلال النقل من الكتب عن غيرهم نذكرها إجمالاً:

• عرفوا الأهرام وتعدادها وأنها بالعشرات تمتد على شريط النيل حتى تصل إلى أقصى جنوب مصر بل السودان.

• وعرفوا أيضا أنها مقابر للملوك والعظماء والوزراء , ووصلوا لتوابيتهم واستطاعوا فتحها ورأوا الجثث وكتبوا عن ذلك.

• وصفوا عظمة بنائها وطريقة هندستها وقاسوا مسافاتها كاملة , فقالوا: " ومن عجائب مصر أمر الهرمين الكبيرين في جانبها الغربي ولا يعلم في الدنيا حجر على حجر أعلى ولا أوسع منها طولها في الأرض أربعمائة ذراع في أربعمائة وكذلك علوها أربعمائة ذراع ".

• وسألوا وبحثوا عن الحجارة من أين جاءت؟ وكيف حملت؟.

• وبحثوا في كتب السابقين عن أخبار الأهرامات ودونوا ذلك بعناية وأمانة.

• وكتبوا عن أثار مصر من شمالها إلى جنوبها بدقة , غير مبالين بضغط الواقع للعلماء في الأقطار الأخرى البعيدة , وهو الأمر الذي جعل بعض الناس في تلك العصور يكذب ما يقرأ لبعدهم عن المكان وعدم تصورهم عظمة ذلك.

• ومن جميل وصفهم قول بعضهم: " ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما ".

• لقد حاول نابليون تفجير أبي الهول بمدافع وطلقات عديدة أثرت في وجهه ولم يشتمه الرحالة الأوربيون لأنه من أبناء دينهم ويتكلم بلغتهم ويعتقد ثقافتهم الهمجية , ولو فعل بعض المسلمين عشر معشار ذلك لقامت الدنيا ولم تقعد عليهم ولصفهم الناس بالرجعيين والمتخلفين وغير ذلك , ولكن المسلمين رأوا أنه لا فائدة ولا مضرة من هدمه , فتركوه شاهداً على أمم سابقة وماضية حيث أنه لم يكن صنماً معبوداً أو إلهاً في غابر الدهر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير