تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: منع أهل الفساد والضلال من شهواتهم الباطلة ومنع وصول إفسادهم إلى عباد الله تعالى.

الثاني: الشهادة على أهل الفساد والضلال بفسادهم وضلالهم.

وهم لا يريدون أيّاً من الأمرين؛ فهم يأبون أن تكون لتصرُّفاتهم ضوابط أو قيود، ويرون - بزعمهم - في ذلك حَجْراً على تصرفاتهم وغَمْطاً لأقدارهم، بل يريدونها إباحة متفلتة غير منضبطة، أو مقيدة بأية قيود، ويرون أن في ذلك الحريةَ الحقة التي تعطي للشخص تميزه وإحساسه بذاته، وقديماً قال قائل بلسانهم: {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}؟ [هود: 78]، ولا زال إخوانهم وأحفادهم يستمسكون بالفكرة نفسها ويدورون حولها بأساليب مختلفة ويريدون ألا يكون لتصرفاتهم قيود أو ضوابط إلا ما وافق أهواءهم ورغباتهم، وينعتون من يدعونهم إلى التمسك بالخير والبعد عن السوء بالتحجُّر وإقصاء الآخر، والنظرة الأحادية التي تأبى التعددية وتمنع حق الاختلاف في الأمور الاجتهادية، ويقرنون بين الهيئات التي تقوم بهذه الشعيرة وبين محاكم التفتيش التي ابتدعها النصارى والتي كانت تنقب عما استتر في قلوب الناس، وليس في أعمالهم وتصرفاتهم الظاهرة.

كما أنهم لا يقبلون أن يُقَوِّم تصرفاتهم أحد أو أن يشهد على مسلكهم أحد، ويجعلون ذلك سبباً لنقمتهم على القائمين بتلك الشعيرة كما قال - تعالى - في حق أشباههم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 95]، فلم تكن نقمتهم على أهل الخير والدعاة إليه لشيء يعيبونهم به، وإنما كان السبب في ذلك إيمانهم بالله وبما أنزل على رُسله، وشهادة المؤمنين على أهل الكتاب أن أكثرهم فاسقون. قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: وقوله: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 95] معطوف على {أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ} [المائدة: 95] أي: وآمنا بأن أكثركم فاسقون، أي: خارجون عن الطريق المستقيم».

التجارب الراسخة والتجارب الرائدة:

وِلايةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الولايات الشرعية التي كان لها وجود حقيقي في النظام السياسي الإسلامي، لكن بمرور الأيام بدأ يضعف هذا الأمر وزاد هذا الضعف كثيراً بعد وقوع دول المسلمين في قبضة الدول الكافرة زمن الاستعمار، وقد ألغيت هذه الولاية في أكثر البلاد الإسلامية، وهناك تجارب راسخة ما زالت قائمة تؤدي عملها، وتكف عن الأمة طوفان الفتنة والضلال؛ فمن ذلك: هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الحرمين، فقد «أكدت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها ضبطت نحو 434 ألف شخص في قضايا تتعلق بالعقيدة والأخلاق والمخدرات والآداب العامة والصور والأفلام الخليعة والابتزاز وغيرها خلال عام واحد». وهناك تجارب رائدة تحاول أن تعود بالأمة في مجال الخير والفضيلة إلى سابق عهدها وعزها؛ فقد أُعلن منذ ستة عشر شهراً عن تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في اليمن، تحت اسم «هيئة الفضيلة» وقد اتخذت لها شعار «حتى لا تغرق السفينة»، والغريب أن هناك ثماني منظمات حقوقية وصحفية وثقافية أصدرت بياناً مندِّداً بالهيئة، وهناك مطالبات جادة في أكثر من بلد بإنشاء مثل هذه الهيئة كالكويت وغيرها من البلاد؛ لما في ذلك من الخير ودفع الشرور.

نداء إلى الذين يعقلون:

إن المحافظة على هذه الفريضة إنما هو لخيري الدنيا والآخرة، ونظرة واحدة يلقيها المرء إلى المجتمعات والدول التي أهملت أمر هذه الشعيرة كفيلة ببيان الدمار والدركات التي انحطت إليها تلك البقاع. وإذا كان هناك من تغلبه شهواته وشبهاته في أمر هذه الشعيرة، ويعاند في التمسك بها؛ إما لشهوة في نفسه، أو لخوف من عدوه فيحاول أن يستميله إليه بذلك؛ فيقال له:

من يعاند الله رب العالمين فهو مغلوب ومقهور وإن مُدَّ له في الأمر. قال الله - تعالى -: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 12]، وقال: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 12]، ولكن {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]. وقد أهلك الله من قبلُ كثيراً من الطواغيت الجبارين، وسُنَّة الله ماضية جارية على المتقدمين والمتأخرين، وليس جبَّارو اليوم وطواغيتهم أكرمَ على الله - تعالى - ممن سبقهم من الذين ساروا على الدرب نفسه. قال - تعالى -: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلائِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 34].

فيا أيها المعاندون! اتعظوا واعتبروا بمن سبقكم من الظَّلَمة والطواغيت الذين آتاهم الله من أسباب الملك والقوة حتى ظنوا أنه لا غالب لهم، فطغوا وبغوا وأفسدوا، ثم أتاهم من حيث لم يحتسبوا فأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما قال - تعالى -: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 04] واستدركوا أمركم قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله، وحينئذ لا يلومَنَّ امرؤ إلا نفسه، وكل ما هو آت قريب، وانتظروا إنَّا معكم منتظرون.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير