تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أخبر بذلك ربّنا قائلا سبحانه: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} (البقرة: 35)، وقال: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى v ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه 121: 122)، وقال جلّ شأنه في البقرة: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 37)

قال أهل العلم بالتفسير رحمهم الله في المقصود بهذه الكلمات التي أَلْهَم الله بها آدم u : هي ما ذكره الله عزّ وجلّ عنه وعن أُمِّنا حوّاء عليهما السلام في سورة الأعراف قائلاً: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 23)

ولنقف هُنيهة مع ما تضمّنته هذه الكلمات من الذلّ والافتقار، والتضرّع و الانكسار، والتوسّل وإظهار الحاجة إلى الله الواحد القهّار، ممّا جعلها تستوجب محو الخطيئة، وتكفير السيئة، وقبول التوبة.

واللّه عزّ وجلّ جلّت قدرته بحكمته وإرادته يبتلي العبد تارة ويؤخر عنه تفريج كربته، وقضاء حاجته، ليرى تضرّعه ويسمع نحيبه، ويلمس منه ذلّه وافتقاره إليه، والذي في الحقيقة هو روح العبودية، فسبحانه ما أكرمه وسبحانه ما أرحمه (2) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn2).

قال العلاّمة الشيخ محمّد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في فوائد هذه الكلمات:

ومنها أنّ قول الإنسان (ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين) سبب لقبول توبة الله على عبده (3) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn3)، لأنّها اعتراف بالذنب.

وفي قول الإنسان: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين) أربعة أنواع من التوسل:

الأوّل: التوسل بالرّبوبية

الثاني: التوسل بحال العبد (ظلمنا أنفسنا).

الثالث: تفويض الأمر لله (وإن لم تغفر لنا وترحمنا).

الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة الله ورحمته لقوله (لنكوننّ من الخاسرين)، وهي تُشْبِهُ التوسّلَ بحال العبد، بل هي توسل بحال العبد، وعليه فيكون العبد توسّل بحاله توسّلا قبل الدعاء، وبحاله بعد الدعاء إذا لم يحصل مقصوده. اهـ (4) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn4).

ويؤكد هذا المعنى ويجسده قوله r ( لا ملجأ ولا منجا منك إلاّ إليك) (5) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn5).

فانظر ـ يا رعاك الله ـ إلى ما تضمنته تلك العبارة على جزالتها من ذلك كلّه، ممّا جعلها حقيقة بالقبول، وهذا هو السرّ في وقوع الإجابة بالفاء التي تفيد التعقيب والترتيب في قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْهِ} ممّا يشعر بأنّ القبول لم يتأخّر ولم يتراخ، ومن هذا الباب قول موسى u حينما استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه فوكزه موسى فقضى عليه قال موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (القصص: 16)

وقد كان لآدم u من الخصائص والمؤهّلات، ما كان يمكنه معه أن يقتصر على طلب المغفرة والتوبة مجرّدة من ذلك كلّه، لأنّه قام بقلبه من اليقين ما يجعله لا يشكّ ولا يرتاب في سماع دعائه وإجابته، كيف لا وقد خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلّمه الأسماء كلّها، واصطفاه على العالمين كما تقدّم، ولكن كلّما كان الإنسان بالله أعلمَ كان أشدَّ له خشية كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28)، وهو يعلم u أنّ ذلك الأحبُّ إلى الله سبحانه.

وقد كان r يقوم من الليل حتّى تتفطّر قدماه، فلمّا راجعته عائشة رضي الله عنها في ذلك شفقة عليه قال: ((أفلا أكون عبدا شكورا)) (6) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn6) بأبي هو وأمّي r.

أيُّوبُ u

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير