وفيما يلي عرض لأقوال بعضهم، وهي كافية، إن شاء الله، في بيان مذهبهم في هذه المسألة، وأنَّهم إذا قالوا: الوجه ليس بعورة، فإنَّما يعنون بذلك داخل الصلاة، أمَّا فيما يتعلق بنظر الأجنبيّ إليها فهو عورة مطلقاً، أو لخوف الفتنة:
ولمزيد من التفصيل، ومعرفة المصادر والمراجع، انظر كتابي ((سبيل الطهر ومملكة العفاف)).
الحنفية: يرى فقهاء الحنفية، رحمهم الله، أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب، لا لكونه عورة، بل لأنَّ الكشف مظنة الفتنة، وبعضهم يراه عورة مطلقاً، لذلك ذكروا أنَّ المسلمين متفقون على منع النِّساء من الخروج سافرات عن وجوههنَّ، وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك:
قال أبو بكر الجصاص: المرأة الشابَّة مأمورة بستر وجهها من الأجنبي، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الرِّيب فيها.
وقال شمس الأئمة السرخسي: حرمة النَّظر لخوف الفتنة، وخوف الفتنة في النَّظر إلى وجهها، وعامة محاسنها في وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء.
وقال علاء الدين: وتُمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين الرجال.
قال ابن عابدين: المعنى: تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة، لأنَّه مع الكشف قد يقع النَّظر إليها بشهوة.
وفسَّر الشهوة بقوله: أن يتحرك قلب الإنسان، ويميل بطبعه إلى اللَّذة.
ونصَّ على أنَّ الزوج يعزر زوجته على كشف وجهها لغير مَحْرَم.
وقال في كتاب الحجّ: وتستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيءٍ متجافٍ لا يمسُّ الوجه، وحكى الإجماع عليه.
ونقل عن علماء الحنفيّة وجوب ستر المرأة وجهها، وهي محرمة، إذا كانت بحضرة رجال أجانب.
وقال الطحطاويُّ: تمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين رجال.
ونصَّ الإسبيجانيُّ والمرغينانيُّ والموصليُّ على أنَّ وجه المرأة داخل الصلاة ليس بعورة، وأنَّه عورة خارجها، ورجَّح في ((شرح المنية)) أنَّ الوجه عورة مطلقاً.
وقال: أمَّا عند وجود الأجانب فالإرخاء واجب على المحرمة عند الإمكان.
وألف شيخ الإسلام مصطفى صبري، مفتي الدَّولة العثمانية، كتابه المهم ((قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب)) شنَّع فيه على دعاة سفور الوجه، وبيّن أنّ مقالتهم في أصلها تقليد غربي، وأنَّ الدَّعوة إلى السُّفور ليست قاصرة على كشف الوجه بل هو بداية لما سيأتي بعده من عري كامل كما هو حادث على بعض الشواطئ في زمنه.
وقال الشيخ ظفر التَّهانوي: المرأة منهيّة عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة.
وقال: المرأة تستر وجهها في غير حالة الإحرام.
وقال سماحة مفتي باكستان محمَّد شفيع العثمانيُّ: وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء، وجمهور الأمَّة على أنَّه لا يجوز للنِّساء الشوابّ كشف الوجوه والأكفّ بين الأجانب، ويُستثنى منه العجائز، لقوله تعالى [وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ].
وقال السهارنفوريُّ: ويدلُّ على تقييد كشف الوجه بالحاجة: اتفاق المسلمين على منع النِّساءأن يخرجن سافرات الوجوه لاسيما عند كثرة الفساد وظهوره.
وألف نائب شيخ الإسلام في الدولة العثمانية الشيخ محمد زاهد الكوثري: كتابه ((حجاب المسلمة)) أبان فيه عن مسألة غطاء الوجه، وأنّها مما انعقد إجماع علماء المسلمين العملي على وجوبه قبل أن تقع بلادهم بيد الكافر الذي روَّج السُّفور على يد أذنابه، ثمَّ قال: ولتلك النُّصوص الصريحة في وجوب احتجاب النِّساء، تجد نساء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في غاية المراعاة للحجاب منذ قديم، في البلاد الحجازيَّة واليمنيَّة، وبلاد فلسطين والشام، وحلب والعراقين، وبلاد المغرب الأقصى إلى المغرب الأدنى، وصعيد مصر والسودان، وبلاد جبرت والزيلع وزنجبار، وبلاد فارس والأفغان والسند والهند. بل كانت بلاد الوجه البحري بمصر وبلاد الروملي والأناضول وبلاد الألبان في عداد البلدان التي تراعي فيها نساؤها الاحتجاب البالغ.
إلى أن قال: وليس بقليل بمصر من أدرك ما كانت عليه نساء مصر كلّهن من ناحية الحجاب قبل عهد قاسم أمين داعية السُّفور في عهد الاحتلال.
¥