وقال شيخ الأزهر سماحة الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي المالكي: التَّبرج قد نهى الله عنه بقوله سبحانه وتعالى] وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُوْلَى [الخطاب في هذه الآية الشَّريفة موجه إلى نساء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولكنَّ الحكم عامٌّ (لكلِّ النِّساء)، ومعناه ... أن تبدي محاسنها من وجهها وجسدها، أو أن تُخْرِج من محاسنها ما تستدعي به شهوة الرجال.
فما يُشَاهَد الآن من كشف المرأة من ساقيها وذراعيها، وصدرِها ووجهِها، وما تتكلَّفه من زينة تكشف عنها، وما تفعله في غدوها ورواحها؛ من تبختر في مشيها، وتكسر في قولها، وتخلعٍ يستلفت الأنظار ويقوي الأشرار، تبرجٌ منهي عنه بالإجماع، لا تقرُّه الشَّريعة الإسلاميَّة، ولا يتَّفق مع العفَّة والآداب؛ لما يؤدي إليه من إثارة الشَّهوات، وتلويث النفوس، وإفساد الأخلاق، وإطماع ذوي النفوس المريضة. وكثيراً ما جر ذلك إلى الجنايات على الشَّرف والعفَّة والاستقامة، حتى اشتدَّ الكرب، وعمَّ الخطبُ، وأصبحت البلاد ترزح تحت آثاره الضَّارَّة ونتائجه السَّيئة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وحيث كان الأمر كما ذُكر، فالواجب على زوج المرأة وأولياءِ أمرِها منعُها من ذلك، ويجب أيضاً على كلِّ مسلم قدر على هذا، وقد آن للنَّاس أن يتداركوا أمر الأخلاق فقد أوشك صرحُها أن ينهار، وأن يُقوِّموا منها ما اعوج، ويجدِّدوا ما درس قبل أن تصبح أثراً بعد عين، والله ولي التوفيق.
وقال الشيخ يوسف الدِّجْوِي الأزهري المالكي عن مسألة غطاء الوجه: المسألة إجماعيَّة، لايختص بها إمام دون آخر من أئمة المسلمين.
وذكر وزير العدل ثمَّ المعارف المغربيّ الشيخ محمَّد الحسن بن العربيِّ الفلالي الشهير بالحجوي: أنّه كان في مجلس ملك المغرب، فقام رجل يدعو إلى سفور المرأة عن وجهها، فأشار الملك بالردَّ عليه، قال: فقام من لم تأخذه حميَّة الحزبيَّة أو الملق، وقالوا بصوت واحد: اللَّهمَّ إنَّ هذا منكر؛ يعنون السُّفور، ومن ذلك اليوم أوحى شياطين الإنس إلى إخوانهم ممن يرى إباحة السُّفور، ولو مع خوف الفتنة، إلى الأخذ بما قاله هذا الرجل، وسموه فتوى؛ كفتوى عمرو بن لحي! وأعلنوا السُّفور في شهر جمادى 1362هـ. وعليه من ذلك ما حُمّل، فكانت هذه أول سُنَّة السُّفور بالمغرب.
وبمثل هذا نص الآبي والقرافي والحطاب والدسوقي والشيخ مبارك ومحمد الكافي.
فهذه بعض أقوال كبار فقهاء المالكيَّة في القديم والحديث تبيّن أنَّ مذهبهم وجوب ستر المرأة وجهها إذا كانت بحضرة رجال أجانب.
الشافعيَّة: يرى فقهاء الشافعيَّة، رحمهم الله، أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال، سواء خُشيت الفتنة أم لا؛ لأنَّ الكشف مظنَّة الفتنة، ويرى بعضهم أنَّ وجهها عورة مطلقاً. وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك:
قال إمام الحرمين الجوينيُّ: اتفق المسلمون على منع النِّساء من الخروج سافرات الوجوه؛ لأنَّ النَّظر مظنَّة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع سدُّ الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية.
ونقل ابن حجر الهيتمي: عن الزياديّ، وأقرَّه عليه: أنَّ عورة المرأة أمام الأجنبي جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد.
وقال: قال صاحب النِّهاية: تَعَيَّنَ سترُ المرأة وجهها، وهي مُحْرِمَة، حيث كان طريقاً لدفع نظرٍ مُحَرَّم.
وقال ابن رسلان: اتفق المسلمون على منع النِّساء أن يخرجن سافرات عن الوجوه، لاسيما عند كثرة الفساق.
وقال شيخ الأزهر ورئيس القضاة عبد الله بن حجازي الشرقاويُّ الشافعي: عورة الحرَّة خارج الصلاة لنظر الأجنبيِّ إليها جميع بدنها حتَّى الوجه والكفين، ولو عند أمن الفتنة.
وقال النَّوويُّ: لا يجوز للمسلمة أن تكشف وجهها ونحوه من بدنها ليهوديَّة أو نصرانيَّة وغيرهما من الكافرات إلاَّ أن تكون الكافرة مملوكة لها، هذا هو الصحيح في مذهب الشافعيِّ.
وقال ابن حجر العسقلاني: استمر العمل على جواز خروج النِّساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهنَّ الرِّجال.
وقال الغزَّاليُّ: لم تزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه، والنِّساء يخرجن منتقبات.
¥