تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مصطلح التخلف بين الحقيقة والعرف

قد مهدنا لمبحثنا أن المصطلح الذي أطلق على المجاورين أو بالأحرى المصطلح الذي أدمجوا ضمنه هو (التخلف) وهذا يلزمنا النظر فيه من الناحية اللغوية والاصطلاحية والعرفية الحالية لمعرفة صحته من سقمه.

في الحقيقية اللغوية: أصل التخلف من الَخلْف وهو ضد القدّام، والتخلُّف التأخر، يقال تَخَلَّفَ عن القوم إذا قعد عنهم ولم يذهب معهم (37).

قال ابن فارس:" (خلف) الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة: أحدُها أن يجيءَ شيءٌ بعدَ

شيءٍ يقومُ مقامَه، والثاني خِلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر." (38)

أما من الناحية الاصطلاحية فيختلف المعنى على حسب ما يراد به:

_ التخلف في علم النفس: "بطء في النمو العقلي للطفل حين يقل الذكاء عن حد السواء دون أن يوصف الطفل بأنه ضعيف" (المعجم الوسيط حرف الخاء).

_ التخلف في مجال الحياة:" التراجع عن ركب الأمم الأخرى في مجالات العلم والإنتاج. وهو حالة نسبية عل كل حال لا نستشعرها إلا إذا قارنا أنفسنا بمن يفوقنا ويتقدم علينا." (الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل جمع علي بن نايف الشحود (5/ 336).

وأما من الناحية العرفية فمراد الناس في قولهم (المتخلف) هو من تأخر عن ركبه وجلس مكانه، وهذا أمرٌ بائن وضوحه، ولكن السمة التي يعطاها أنه مخالف، ولهذا أوردتُ التعريف عند علماء النفس وعند علماء الاقتصاد، حتى يتبين للقارئ أن الكثير من أهل الإسلام ينطبق عليهم بهذا الفهم حقيقةُ مصطلح (التخلف)، فبينما الأمم في تطور وتقدم وازدهار، لا يزال من يسمي من تأخر عن ركبه لأداء فريضة الحج أو لطلب العلم أو لنيل مأربه بالمتخلف، وما هذا إلا من تجمد نمو عقل هؤلاء وقلة وعيهم بحقيقة التخلف الذي هم فيه ولكنهم لا يشعرون.

ولقولهم هذا دليل وحجج يسوغون بها مذهبهم، ولهذا أحببت أن أعرضها حتى نبين المقصد من مدلولها سائلين الله تعالى القصد واتباع الحق.

أدلة المانعين ومناقشتها

إن الأدلة الشرعية من حيث تطبيقها واستعمالها سلاح ذو حدين، فمن ضعف إيمانه وغلبت عليه الشبهات والشهوات، يستعمل النصوص الشرعية في تسويغ مذهبه وتقعيد أصول بدعته، وبهذا الفكر الخطير نشأت فرق الضلال وأساطين الانحراف في شريعة الإسلام، وغدا الناس في افتراق عظيم (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون: 53) فظهرت الخوارج وشابت لها الشوائب، ثم الاعتزال والرفض والتشيع وادعاء العصمة لغير الله ورسوله صلى الله عليه سلم، وكلٌّ يدَّعي أن الحق معه وأن الباطل في مقابله فصاروا (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 32)، ولكن النبي صلى الله عليه سلم تركنا على المحجة البيضاء وبين لنا ما يجب اتباعه مما يجب مخالفته، فسار العلماء على وفق ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين والسواد الأعظم من الأئمة الراسخين، فكان هذا هو المنهج السلفي الرباني الذي استمد أسس شريعته ومعالم معارفه من الكتاب العزيز والسنة الحميدة الرشيدة على فهم سلف الأمة، ولهذا فإن الخلاف في الأصل شيء والاختلاف في جزئية لا تمس بالأصل ولا تخدش في أصول الدين شيء آخر، وهذا هو السر في الخلاف بين أهل السنة وأهل البدع، وبين الاختلاف بين أهل السنة بعضهم مع بعض.

ومن بين الاختلاف الذي يعتبر بين أهل السنة ما هو مضمون مسألتنا، فالناظر للقولين يرى اعتماد كل فريق على أدلة صحيحة ثابتة لا تعارض مقصد الشريعة في نظر المستدل بها، ومن الأدلة التي يعتمد عليها من يرى خلاف مسألتنا:

1 - المصالح المرسلة:

ولهذا مهدنا لمبحثنا بفصل في المصلحة المرسلة، وبيّنّا أن المصلحة المرسلة تهدف إلى خدمة الناس بجلب المنافع ودفع الضرر عنهم، ولكن الضرر لا بد أن لا يجُرَّ معه ما هو أكثر منه ضررا، وهذا هو الواقع في مسألة المجاورة، ففيه صد عن بيت الله تعالى وعن الحرم المدني، (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ) (البقرة: 217) فلا شيء أكبر وأعظم جرما من إخراج أهله منه.

2 - مخالفة ولي الأمر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير