تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْد اللهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا." (41)

فوجود العمومات والإطلاقات وما جُمع للنبي صلى الله عليه وسلم من الكلم يفي بالغرض، فينتفع الباحث من الوحيين كلما بحث، ويستخرج منهما ما لا يخطر على باله من صنوف الحكم وألوان القواعد التي تعم مصالح الدين والدنيا، فتقف العقول أمام هذا التنزيل الرباني حائرة، وترتاح القلوب لما تجنيه من علم وحكمة، فينشرح الصدر ويزداد الإيمان وتقوى عقيدة المرء على أن هذا الدين قد كمل وقد تم، ولا مزيد ولا نقصان فيه، وإنما الواجب الإتباع وعدم الابتداع قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3)

وأما ما عليه طلاب العلم المجاورون بالحرمين، فلا يمكن أن يدخل تحت ظل المخالفة الشرعية لولي الأمر، لأن أصل المخالفة ما كان ترتُّبه على المفاسد خالصة كانت أو راجحة، ولا مفسدة في الصورة التي معنا، لا سيما والطالب يسعى في تعلم دينه والازدياد من المعارف وهو يجاوِرُ الحرم، بل تعلًّمه وتفقهه في دينه مصلحة خالصة بالاتفاق، وقد مَنَعَ النبي صلى الله عليه وسلم من منْع العباد من الطواف بالبيت فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَاهَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَار" وفي رواية: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَيَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنْ كَانَ لَكُمْ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ فَلأَعْرِفَنَّ مَا مَنَعْتُمْ أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ." (42)، ولا شك أن العلم في الجملة أشرف من العبادة فكان منع الطلاب من باب أولى.

فمن ملك زمام الحرمين ووفقه الله تعالى لخدمتهما، فهو في الدرجة الأولى خادم لمصالح المسلمين، فيسعى بما منَّ الله تعالى عليه من المُلك والفضل فيما ينفعهم، وإلا فالأرض أرض الله تعالى لا يمُنع منها أحدٌ إلا أن يكون مشركا، واستثناء طلبة العلم من هذه الكوكبة أمرٌ سهلٌ لا يحتاج إلى كبير عناء، فجزى الله من أعانهم وقوى الله تعالى من هو في خدمة العلم وأهله.

3 - كون العقد إلزامي لا يجوز مخالفته وإلا دخل المخالف في مسمى الغدر:

هذه من أوقع الأدلة على فؤاد المجاور، إذ الغدر حاصل في نظرهم بمجرد مخالفة العقد من غير نظر إلى ما يجر العقد من مفسدة أو غيرها، ودليلهم ما ثبت عَنْ ابن عمر رضي الله عنهما عَنْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ." (43).

والجواب عن هذا التعليل من أوجه:

أولها: أن الغدر غير واقع في هذه الحالة بغض النظر عن كون تسميته غدرا، فإن المجاور لا يجر أي مفسدة للإمام ولا يسعى أبدا في خلع بيعته من رقبته، وإنما همه هو الوصول إلى الحرمين لقضاء حاجته الدينية.

ثانيا: أن العقد في مثل هذه الحالة ولو كان شكله إلزاميا إلا أن المتعاقدين لم يتفقا في حقيقة الأمر، وإنما هو إلزام للقبول من غير مفاوضة أو اعتراض، وهو بهذه الصيغة عقد اختياري من طرف اضطراري من الطرف الآخر، لأنه يُلزم بقبوله في ظاهره، وهذا مناف لحقيقة العقود المبنية على رضا الطرفين، ولا يجاب عن هذا بكونه يمتنع من أخذه، لأن الامتناع في مثل هذه الأمور بسبب هذه الجزئية تعطيل لمصالح العباد، ومثله الصُّوَرُ التي توضع في الجواز، فلا يقال إنها محرمة ولا يلزم صاحبها الحج أو العمرة لأن الاستطاعة في هذه الحالة منتفية لانتفاء الجواز بانتفاء الصورة!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير