تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد عُلِّق الحكم بقضاء الحاجة والنهمة من هذا السفر كما ثبت في الصحيحين (45) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله".

فطالب العلم يسعى في قضاء نهمته العلمية بتحصيل الواجب عليه على أقل التقديرات حتى يعلم الصحيح من العقيدة وما تصلح به عبادته، وهذا يختلف على حَسَب قوة إدراك الطالب ومدى فهمه، فتعليق الحكم بقضاء النهمة راجعٌ إلى حالة الطالب، وهذا من لطائف هذا الحديث النبوي الشريف، حيث عُلِّق الحكم بحالة الشخص، فمن خرج إلى قضاء حوائجه يسعى جاهدا في تحصيلها، فإن مُكِّن من قضائها كانت فرحته وانشراح صدره أعظم، ولكنه لو مُنِعَها ضاق الأمر به وضاقت الأرض بمن فيها حتى لو كان في بيته بين أهله وعشيرته، وفي الحديث دلالة على أن الساعي في قضاء حاجته يُعَانُ عليها وتُيسَّر له الأمور من باب قوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2) وجاء في الحديث:" مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" وفيه "وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (46)، ومن ضيق على إخوانه ضيَّق الله تعالى عليه مصداقا لقوله تعالى (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60).

تغيير المصطلحات الشرعية بالمصطلحات الوضعية

إن مما لا شك فيه أن الكتاب والسنة قد بينا كل شيء يخص شؤون الناس من بداية حياتهم إلى نهايتها، وإن الاعتصام بهما نجاة كل امرئ لا سيما عند اختلاف الناس وبعدهم عن مشكاة النبوة، ونهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يعدلون بالقرآن الكريم ولا بالسنة النبوية الصحيحة شيئا لأن العصمة بالاعتصام بهما.

ولقد سلك أهل السنة في بيان الأحكام الشرعية أو المعتقد السلفي مسلك الوحيين في وضع الكلمات التي جاءت فيهما في محلها من غير حيف وتحريف، لأن المصطلح الشرعي يفي بالغرض من جميع جوانبه، فلا يختل حده ولا ينتقض حُكمه بل هو ثابت في الحد والحكم، ومع ظهور الفتن واختلاف الأهواء وتجدد معطيات المسائل تولدت مصطلحات محدثة اتخذها الجم الغفير واستبدلوا بها ما كان قديما عتيقا، فإن قال لهم عاقل (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة: 61) قالوا إنما المسمى واحد ولو اختلفت الأسماء، قلنا (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) (النجم: 23)، وإنما التسمية مهما كانت لها تأثير في نفسية الإنسان.

هكذا استبدل المصطلح الشرعي المجاورة - هذه الكلمة الطيبة التي سار عليها سلف هذه الأمة، وتقلدها جهابذة أهل العلم وأساطين الأثر- بمصطلح يوحي بالذلة والانحطاط، ويشعر في نفس قائله وسامعه أن المتسمى به في ضلال بعيد؛ متخلفٌ أو متخلفون أو متخلفين فإن ذهبت تنصح وتبين قيل إنك تتفلسف فالله المستعان.

صحيح أن احتياج البشر إلى بعض المصطلحات الجديدة لا ينافي مشروعيته بشرط أن تكون المعاني صحيحة، لأن بعض الظروف تضطر الناس إلى ذلك، ولكن الشأن في ذلك كله أن لا يكون هذا المصطلح يذم من يدخل في المعاني التي يقصدونها، فكيف إذا عُرِفت المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة، وقد عُبِّر عنها؟

ولنفرض جدلا أن هذا المصطلح يحق أن يقال في مثل هذه الطائفة، ألا يُراعى جانب الاشتباه؟ ألا يحصل التباس؟ ألا يوقع في نفسية الناس أن هؤلاء ليسوا على حق بل هم في الأذى والردى؟ فلماذا ندع مصطلح المجاورة إلى مصطلح التخلف، وانظر في حقيقة الاسمين وما يترتب عنهما من فهم، فإلى جانب ظلم الطائفة المجاورة فقد ظلمت الطائفة الأخرى بأن أُخْفي عنها المصطلح الشرعي وحِيف بها عن معرفة الوجه الشرعي إلى معانٍ محدثةٍ فاسدة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى (فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهاناً مخبطة، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب) (47).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير