تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذلك كل خيبر، كل ممانعة، كل غدر وخيانة، كل شبهة وفتنة، فالله أكبر الله أكبر من كل ما يكبر على العبد أو في نفسه، فبكبر الله -تعالى- يتعلق به قلبه، وبه يقوى، وبه يستعين، وعليه يتوكل.

الإشارة الثالثة:

يحسن من العبد كذلك أن ينظر في حكم التكرار، فإن التكبير كسائر الذكر كلاهما مطلوب ترديده، فمبناه على التكرار، وطلب الشرع ذلك على نوعين:

الأول: أن يعلق الجزاء على عدد مقيد، فالظاهر عدم حصول الموعود دون ذلك العدد، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه) متفق عليه.

والثاني: أن يأتي الطلب مطلقا غير مقيد، كتعليق الأجر على الذكر ولو مرة، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة) رواه الترمذي وصححه الألباني. أو أن يعلق الأجر على مطلق الذكر كما في قوله -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)، ويندرج تحته التكبير، فمنفعة هذا الذكر المطلق تراكمية إذ لا تحصل دفعة واحدة، بل يكون التحصيل بحسب تكرار العبد لها.

وفيه اعتناء الشرع بالمكلفين ورحمة الله بهم، إذ ندبهم إلى تكرار الذكر ليستدرك العبد ما يمكن أن يفوته أولا من معاني كلمات الذكر في كل مرة يرددها، وليتأكد في قلبه ما حصل من معاني العبودية، لتتمكن منه وتستوطنه، فحق ذلك أن يراعي العبد كل مرة تحقيق ما فاته في المرة السابقة، فيترقى على درج الذكر.

فكذلك التكبير المطلق حقه أن يسعف العبد إذا ما أعوزه ما فات، وتسلم كل تكبيرة إلى الأخرى محصول معاني السابق لها وزيادة المعنى الذي فيها.

الإشارة الرابعة:

فإذا عرفت ما تقدم، كان حق كل تكبيرة منك أن تقع من القلب موقعها، فكأن قلبك هو المقصود بتلك التكبيرة، ليستخلص منها ما تقدم معرفته، لتستثمر فيه أنواعا من العبودية والتعلق بالله الكبير -سبحانه-، فالله أكبر، كلمة مداد حروفها نور به تنكشف من النفس عيوب وآفات، ليحصل بها تيقظ وإيلام، تيقظ لما يجد العبد من نفسه لما نادى عليها بالتكبير، فرأى منها توانيا دون تحصيل عبوديته، وفتورا لا يسلم معه سير ولا ارتحال، وعيوبا تقطع عليه سعيه وتسلب منه كسبه، وجد آفات وأدواء عادت بسببها النفس مريضة عليلة، فلما وجد العبد ذلك تألم، وألمه دليل حياة قلبه، فالله أكبر بها التيقظ فالإيلام.

ثم الله أكبر مرة أخرى لينكشف بنورها خفاء آخر، ما كان للعبد أن يلحظه بدونها، لينكشف عور آخر من نفسه، ليتيقن معه تشخيص الداء، ويتبين فيه محل الاتهام، ألا تسمع حروفها وقد رجع إليك صداها حاكيا، كاشفا عن نفسك ما فيها، ما حال بينها وبين ما يرقيها ويزكيها، فإذا بها هي الجانية، هي موضع الاتهام، "فالله أكبر" يتيقن بها الاتهام، كيف؟! فالمتهم بين جنبيك لم يخرج عن ذلك.

فالمتهم الذي أتي بكل أسباب البلاء إنما هو نفسك، نفسك هي ذلك الشخص المتهم، فالتكبيرة الأولى بانت بها العيوب فحصل منها الإيلام، والتكبيرة الثانية انكشفت بها الجناية وتبين الاتهام.

فحق تلك الأيام أن تكوني يا نفس فيها منقطعة لله عن كل ما سواه، حق تلك الأعمال إصلاح به تجبرين العيوب، وتزكية بها تنالين الترقي، لكن بالتكبير تنكشفين، وبذكر الله تُفضَحين.

أين الإصلاح؟؟

أين التعبد والتعلق بالله؟؟

أين مفارقة العيوب؟؟

أين هجران الذنوب؟؟

أين تغيير العادات؟؟

أين مخالفة المألوفات؟؟

كل ذلك لم يكن، بل ما زال منك ما كان.

ثم تكبيرة ثالثة، "الله أكبر"، تستحدث في القلب قوة وعزما على حكم النفس، على إلزامها بما عاهدت عليه من قبل ربها، بما فيه نجاتها، فالله أكبر عهد وإلزام، الله أكبر يقضي بها على عيوبه فتذهب، الله أكبر يرمي بها على آفاته فتدك.

فتكبيراته الثلاث تنبيه وإيلام، فافتضاح واتهام، فعهد وإلزام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير