وقد عاصر القاضي أبا يعلى الإمام البيهقي ت 458هـ وكان ابن فورك من شيوخه وألف كتاب الاعتقاد والأسماء والصفات وهو تارة يفوض وتارة يؤول وإن كان يميل إلى التأويل أكثر متأثراً بشيخه ابن فورك والحليمي ومتأثراً بما كتبه الخطابي أيضاً.
ثم يأتي أبو المعالي الجويني إمام الحرمين ت 478هـ وينتهج في أول أمره منهج التأويل كما في كتابه الإرشاد ثم ينتقل إلى مذهب التفويض كما في النظامية، و يظهر القول برد الصفات الخبرية وقد كان المتقدمون من الأشاعرة قبله يثبتونها باتفاق كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وأما تلميذه الغزالي ت 505هـ فيميل إلى التأويل وإن كان يرى أن التفويض أسلم في حق العوام كما في كتابه إلجام العوام عن علم الكلام.
ثم جاء أبو المعين النسفي الماتريدي ت 508 هـ وجوز الأمرين التأويل والتفويض.
ثم جاء تلميذ القاضي أبي يعلى وهو أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي ت 513هـ وكان قد تاثر بالمعتزلة وخالطهم ثم تركهم وكان يسلك مسلك التأويل تارة ويوجبه تأثراً بمنهج المعتزلة كما في الواضح وفي كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه وينفي الصفات الخبرية موافقة للمعتزلة، وتارة يسلك مسلك التفويض تأثراً بشيخه القاضي أبي يعلى ويثبت الصفات الخبرية ويذم التأويل كما في كتاب الانتصار لأصحاب الحديث.
ثم جاء الشهرستاني صاحب الملل والنحل ت 548هـ وذكر في كتابه الملل والنحل المسلكين التأويل والتفويض على سبيل التخيير.
ثم جاء أبو الفرج ابن الجوزي ت 596هـ تلميذ ابن عقيل لكنه سلك مسلك التأويل والف كتابا في هذا وهو (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) يرد فيه على المثبتة من السلف والمفوضة كالقاضي أبي يعلى مع أنه يقول بالتفويض أحياناً كما في كتابه تلبيس إبليس (ص 106)
ويقرر نجم الدين: بكبرس بن يلنقلج الماتريدي ت 652هـ في كتابه الضوء اللامع _ نقلا عن كتاب الماتريدية لأحمد عوض _ أن مذهب الماتريدية هو التفويض بإطلاق.
وأما ابن الهام الحنفي ت 861هـ فيغلب التفويض ويرى التأويل أحيانا للحاجة كما في المسايرة.
ثم يأتي تلميذه ابن قطلوبغا الماتريدي ت 879 هـ ويسلك مسلك الغزالي في التفريق بين العلماء والعوام.
فهذه قصة ظهور مذهب التفويض ولكن حيث كان الكل متفق على الصفات السبع أو الثمان كان الكلام في الأغلب بين أهل السنة والأشاعرة والماتريدية هو في الصفات الخبرية دون الصفات العقلية وفي إثباتها أو نفيها او تأويلها أو تفويضها. والله أعلم
ـ[توبة]ــــــــ[28 - 06 - 07, 03:22 ص]ـ
شيخنا الفاضل أبا حازم، ما كتبتموه أعلاه هو عن تأرجح الأشاعرة والماتريدية بين التأويل والتفويض،وهذا الأخير مطلقا، أي تفويض المعنى والكيفية.
وسؤال الأخ بكري أظنه يتحدث عن التفويض كمذهب،و انقسام المفوضة بين اثبات المعنى وتفويض الكيفيةأي على مذهب السلف، وبين تفويضهما معا، معنى وكيفا وهذا يقتضي أحد أمرين لا ثالث لهما:
=وأرجو أن تصحح لي مفهومي هذا=
إما نفي الصفات مطلقا - والحديث عن الصفات الخبرية- على مذهب الماتريدية.
أو اثباتها مع التأويل بغير معناها، وهذا على مذهب الأشاعرة.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[28 - 06 - 07, 04:05 م]ـ
الأخت توبة بارك الله فيك
حتى تتضح الصورة ينبغي إخراج مذهب السلف في التفويض في الكيفية؛ لأنها محل اتفاق بين أهل السنة والأشاعرة والماتريدية وما كان محل اتفاق لا ينبغي أن يذكر في محل النزاع إلا من باب التلازم بينه وبين محل الاختلاف وإذا كان الأمر كذلك فمحل الخلاف هو في تفويض المعنى أي ما تدل عليه ألفاظ نصوص الصفات من جهة اللغة، والذي يتبين من حال الأشاعرة والماتريدية أنهم جمعوا بين المسلكين التأويل والتفويض، وربما غلب أحدهما حسب المؤثرات على الشخص من بيئة أو سياسة دولة أو شيوخ أو كتب أو منهج سار عليه إما عقلي أو نقلي.
و رجال الأشاعرة والماتريدية المشهورين تارة يخيرون بين الأمرين، وتارة يجعلون التأويل لطائفة والتفويض لطائفة، وتارة يجعلون التأويل هو الأصل والتفويض أحياناً، وتارة العكس وهكذا، فالأمر كما سبق يرجع إلى المؤثرات التي يتأثر به القائل منهم.
وفي الحقيقة كل من التأويل والتفويض يجمع بين النفي والإثبات وبيانه:
أنهم يزعمون إثبات ما دل عليه النص من صفة ثم ينفونها من طريق التأويل أو التفويض فهم يثبتون في أول الأمر _ وهو إثبات ناقص _ ثم يعطلون وذلك أن كلاً من التأويل والتفويض تعطيل في الحقيقة:
1 - تعطيل لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقوله تعالى: {وله المثل الأعلى}
2 - وتعطيل للنص الخاص بالصفة.
3 - وتعطيل للصفة نفسها؛ لأن من لا يثبت الصفة على مراد الله فقد عطلها والمؤول والمفوض لم يثبت الصفة على مراد الله فهو معطل.
وأما الصفات الخبرية عند الأشاعرة فينبغي أن يعلم أن متقدمي الأشاعرة على إثباتها من غير تأويل وهو قول أبي الحسن الأشعري وأئمة أصحابه كأبي الحسن الطبري وأبي عبد الله بن مجاهد الباهلي و أبي بكر الباقلاني وليس للأشعري قولاً آخر في المسألة ولم ينقل عنه غير هذا القول كما قرر ذلك ابن تيمية _ رحمه الله _ في درء تعارض العقل والنقل (1/ 241)
وحينما نتكلم عن المفوضة كمذهب ينبغي أن ننظر في الواقع العملي له أي منهم رجاله حتى نحدد هل يوجد مذهب التفويض عند غير الأشاعرة والماتريدية أو لا، وليت الأخ أبا محمد يفيدنا عمن يسلك مسلك التفويض من غير هاتين الطائفتين.
¥