فأصبح الأمر فيه ثلاث درجات:
إما لا معنى مطلقاً وإما القدر المفهوم من اللفظ دون الكيفية والكنه وإما المعنى والكيفية ونقرب هذا المعنى بمثال في المخلوقات:
نعيم الجنة: أخبر الله تعالى أن في الجنة ملابس ومآكل ومشارب لكن حقائق هذه الأشياء لا تعلم حقيقتها وكيفيتها بالنسبة لنا وإن كنا نعلم جزءا من معاني هذا النعيم فالرمان مثلا نعلم أنه طعام ويؤكل ونوع من الفاكهة وليس هو لباس أو مركب أو لفظ مجهول لكنا لا نعلم حقيقة لونه وحجمه وطعمه ورائحته كما نعلم أنه ليس كرمان الدنيا لأن نعيم الجنة فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لكن على قول المفوضة الرمان لا يعرف معناه فقد يكون مأكولا وقد يكون مشروبا وقد يكون مركوبا فمعناه مجهول.
وكذا إذا قلنا في المخلوقين يد فهي عند المخلوقين جزء وبعض من الجسم وهي الجزء المعروف منه فهذا القدر معروف لمعنى لفظة يد لكنها تختلف في حقيقتها من يد الفيل والأسد والطير والباعوضة تختلف في الحجم والشكل واللون ونحو ذلك فهذا معنى كلمة تفويض.
لكن في باب الصفات ولله المثل الأعلى فهو تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تطلق هذه الألفاظ التي أحدثها المتكلمون كأجزاء وأبعاض لكن أهل السنة يطلقون عليها أعيان في مقابل صفات المعاني فاليد والوجه والقدم والأصبع يسمونها صفات أعيان.
وحتى لا نظلم القوم ولنعلم حقيقة مذهبهم أكثر أذكر نصوصهم في هذا:
1 - أما الجويني فيقول في الرسالة النظامية (ص 32 – 34): (اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها وإجراؤها على موجب أفهام ارباب اللسان منها فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب وما يصح من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب أئمة السلف إلى الإنكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه دينا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة فالأولى الاتباع وترك الابتداع والدليل السمعي القاطع في ذلك وأن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة وقد درج صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم على ترك التعرض لمعانيها ودرك مافيها ... )
2 - أما النووي فهذه بعض النصوص من كلامه:
1 – يقول رحمه الله عند حديث " ينزل ربنا ... ": (هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق ايضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثرالمتكلمين وجماعات من السلف وهو محكى هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره والثاني أنه على الاستعارة ومعناه الاقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم) شرح مسلم (6/ 36 – 37)
2 – ويقول رحمه الله: (أما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن يمين الرحمن فهو من أحاديث الصفات وقد سبق في أول هذا الشرح بيان اختلاف العلماء فيها وأن منهم من قال نؤمن بها ولا نتكلم في تأويله ولا نعرف معناه لكن نعتقد أن ظاهرها غير مراد وأن لها معنى يليق بالله تعالى وهذا مذهب جماهير السلف وطوائف من المتكلمين والثاني أنها تؤول على ما يليق بها وهذا قول أكثر المتكلمين) شرح مسلم (16/ 166)
3 – ويقول رحمه الله: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء "هذا من أحاديث الصفات وفيها القولان السابقان قريبا أحدهما الايمان بها من غير تعرض لتأويل ولا لمعرفة المعنى بل يؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد قال الله تعالى ليس كمثله شئ والثاني يتأول بحسب ما يليق بها) شرح مسلم (17/ 129 – 130)
¥