و في عام 61 م في وقت عانى فيه المصريون مظالم الحكم الروماني واضطهاده الشديد للمصريين بفرض الضرائب الكبيرة التي أجبرت أصحاب الأراضي الزراعية إلى تركها بسبب عجزهم عن دفع الضرائب وهروباً من أعمال السخرة التي فرضها عليهم الرومان. وقد تكونت جماعة مسيحية في مصر امتدت إلى أن أصبحت الكنيسة القبطية أقدم مؤسسة مسيحية وقد استمر الاضطهاد الروماني للمسيحية في مصر منذ القرن الأول الميلادي. وبلغت هذه الاضطهادات ذروتها في استشهاد القديس مرقس عام 68م. وفي القرن الثالث وقع أكبر اضطهاد بالجماعة المسيحية على يد الإمبراطور دقلديانوس 248 - 305 م، وسمي عصره بعصر الشهداء ويبدأ التقويم المسيحي المسمى بتقويم الشهداء بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس (عام 284 م).
لماذا دخل الرومان في النصرانية؟؟:
كان الرومان قبل عهد الامبراطور قسطنطين وثنيين يعبدون أشكالا متعددة من الآلهة و الأوثان، إلاَّ أنَّ الإمبراطور قسطنطين أعلن في عام (324م) تحوله إلى الدين النصراني واعترافه بالمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية البيزنطية وذلك عندما أحس ببداية سريان الضعف في الامبراطورية الرومانية، فرأى نقل العاصمة من روما إلى مدينةبيزنطة، و التي سمَّاها بالقسطنطينية.
و مع أن قسطنطين كان في الحقيقة وثنيا، إذ أنه لم يتعمدَّ مسيحيا إلاَّ قبيل وفاته بثلاثة أيام فقط ـ و هو في فراش الموت ـ، إلاَّ أنه رأى مسايرة الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية باعتناق الدين النصراني الذي يعتنقه كثير من شعوب تلك المناطق بعد خلطه بالوثنية التي كان قد تربَّى عليها، و ذلك لعدة أسباب:
1ـ التوفيق بين المسيحية التي يعتنقها غالبية شعوب الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية و "الوثنية التي كانت دين الامبراطورية الرسمي".
2ـ كون الدين المسيحبي دين سماوي الأصل، و بالتالي فإنه سيؤدي إلى تلاحم و قوة الامبراطورية الرومانية، بعكس الأمم الوثنية التي كانت تعبد أوثانا متعددة، و بالتالي تختلف مذاهبها باختلاف مناطقها و معبوداتها.
3ـ التقرب إلى شعوب تلك المناطق الشرقية تمهيدا لنتقل العاصمة الرومانية إلى القسطنطينية.
وقد لاحظ قسطنطين انتشار الدين النصراني بشكل واسع في ممالكه الشرقية، و لذلك فإن الامبراطور قسطنطين قد أعلن ميوله وعطفه على النصارى من أجل الحفاظ على مقومات النصر على خصمه، فأعلن عن دفاعه عن مذهب أثناسيوس القائل بالتثليث حينما كانت عاصمة دولته في روما.
ومن أجل ذلك رأس مجمع نيقية سنة 325م، وتذكر مصادر النصارى أن أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح، ولكن إجماعهم كان تحت سلطان الإغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه إليهم شارة ملكه ليتحكموا في المملكة، فقد دفعهم حب السلطان إلى أن يوافقوا هوى قسطنطين الذي ظهر في عقد مجلس خاص بهم دون الباقين، لاعتقاده إمكان إغرائهم، فأمضى أولئك ذلك القرار تحت سلطان الترغيب أو الترهيب، أوهما معاً، وبذلك قرروا ألوهية المسيح،ليبيعوا بذلك نصرانية عيسى عليه السلام بمسيحية بولس المحرفة، و مِن ثَمَّ برغمون الناس على اعتناقها بقوة السيف ورهبة الحكام، وحينما صدر قرار مجمع نيقية ضد أريوس وحرمانه، وتجريده من رتبته الدينية، صادَق قسطنطين على ذلك القرار.
4ـ إلاَّ أن قسطنطين كان قد عزم على نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة، والتي يوجد فيها أكثرية نصرانية تعتنق مذهب أريوس، و تم له ذلك في عام 335م وأصبح يطلق عليها القسطنطينية، و لذلك أحضر أريوس قبل ذلك وعفا عنه، يقول فاسيليف:
((عندما شرع قسطنطين في نقل عاصمته إلى الشرق، وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الامبراطورية لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أوميوله نحو المذهب الأريوسي))، فاستدعى أريوس من منفاه سنة 327م، وعقد له مجمع صور سنة 334م، وألغى قرار الطرد (و ستأتي هذه القضية بشيء من التفصيل).
¥