تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وآمن الرومان الذين كانوا يحتلون مصر حينذاك بالمذهب الكاثوليكي، إلاَّ أن الأباطرة الرومان لم تتسع صدورهم لمخالفيهم في المذهب فأذاقوا الأقباط أشد أنواع العذاب ليعدلوا عن مذهبهم،فقد مورست أنواع من التعصب والتعنت البالغين ضد فرقاء من مواطني الإمبراطورية الرومانية الشرقية و في مقدمتهم أقباط مصر، و كانت الجموع و القيادات القبطية تحاكم وتقتل باسم محاربة الهرطقة، و تقول الروايات إن شقيق البطريرك القبطي قتلوه بإسالة شحمه بالشموع المشتعلة، ووضعوه في جِرابٍ مثقَّب وأنزلوه في البحر عدة مرات، وهرب البطريرك (رئيس الكنيسة) واختفى عشرات السنين في الكهوف والجبال والأديرة البعيدة عن رقابة الرومان، مما جعلهم يضيقون ذرعاً بحكامها حتى تمنوا زوالها ـ وان اتحدوا معهم في الملة ـ بل عمل بعضهم على ذلك.

و شايع البطارقة أباطرة الدولة الرومانية الشرقية و تابعوهم في تعصبهم المقيت ضد الأقباط، فقد كانوا يدورون في فلكهم حيث داروا، فأخذوا يضطهدون مخاليفهم القائلين بالطبيعة الواحدة حتى أنهم أطلقوا عليهم لقب "الهراطقة"، والواقع أنه لم يكن في القرن الخامس الميلادي مسألة اشتد حولها الخلاف مثل مسألة الطبيعة الواحدة والطبيعة المزدوجة في المسيح أو حول الطبيعة التي يمكن التعبير عنها باتحاد الطبيعتين تعبيراً دقيقاً.

و في عهد إنسطانيوس (492/ 518م) سادت فترة هدوء نسبي ولكن لما تولى الحكم الإمبراطور يوستنيوس الأول (جوستين الأول 518/ 527 م) اشتد الاضطهاد إذ أمر بغلق الكنائس في مصر، ولم يجد الشعب المصري مكانا للصلاة، فبنوا كنيستين سراً في المكان المعروف باسم السواري غربي الإسكندرية ... وقد خطا يوستنيوس خطوة أوسع في اضطهاد المصريين وإرغامهم على قبول مذهب الطبيعتين .. وشهد عهده مذبحة كبرى قتل فيها عدد من أفراد الشعب الذين رفضوا اتباع عقيدته.

وكان جوستينيان من الأباطرة الذين أمعنوا في اضطهاد أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة وهم " المونوفيزتيون " ولو أنه حاول التوفيق بين المذهبين وهادن خصومه بعض الوقت ولكن جهوده تلك ذهبت أدراج الرياح فعاد إلى التنكيل بهم بشتى السبل منها: منع نسخ كتبهم وقطع إيدي نساخها وتشريد أحبارهم ورهبانهم وبطاركتهم وقسوسهم ولم يخف جوسنتيان بغضه الشديد تجاه الطوائف المسيحية التي لا تدين بمذهب الدولة لأنهم " لا يستحقون إلا كل ازدراء " على حد قوله، هذا فضلاً عن أنه جعل اعتناق المذهب الخلقيدوني شرطاً أساسياً في شغل وظائف الدولة، وبذلك أعطى امتيازاً لأتباع مذهب الدولة على باقي الطوائف وعمل على تطبيق هذا القانون بكل حزم

وبعد جوستيان زاد اضطهاد الرومان للأقباط حتى أن الرومان حرموا الأقباط من الكنيستين اللتين بنوهما سراً في غرب الإسكندرية ... وفي 631م عين هرقل بطريكاً ملكانياً أو ملكياً اسمه " كيرس " وهو الذي اشتهر باسم " المقوقس " وهو الذي عاصر فتح العرب بمصر، زاد اضطهاد المصريين اضطهاداً رهيباً مما نفرهم منها في وقت كانت فيه محتاجة أشد الاحتياج إلى استرضاء الأقباط بسبب حرج موقفها في حربها مع الفرس.

و استمر الاضطهاد الروماني للأقباط و للكنيسة الفبطية حتى انتهى نفوذالرومان في مصر بالفتوحات الاسلامية في القرن الأول الهجري.

يقول والتر السون فيلبس في كتابه " تاريخ العالم": (وكانت النتيجة المحتومة أن رحبت الشعوب المضطهدة ومنهم المصريون أيما ترحيب بالفاتحين " العرب " لينقذوهم مما يشكون من اضطهاد).

وهذا ما أجمع عليه المؤرخون كافة، يقول هـ. أ. ل فيشر في كتابه "تاريخ أوروبا ـ العصور الوسطى ":

(أن تلك الشقوق - أي الناجمة عن الاضطهاد ـ ظلت تتسع اتساعاً مضطرداً فأضعفت روح الولاء نحو الامبراطورية الرومانية)، مما فتح الباب على مصراعيه للفاتحين الجدد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير