ـ[خطاب القاهرى]ــــــــ[14 - 07 - 07, 09:55 م]ـ
بورك فيك أخى الكريم أبا عبد المعز على فوائدك المعتادة, و لكن أخى لكريم, سؤالى عن الإجماع فى المسألة, هل انعقد, أم أن المسألة وقع فيها الخلاف بين السلف, فلا يخفاك أن بعض علمائنا المعاصرين يخالف شيخ الإسلام فى المسألة ..
و إشكال آخر عندى, و هو أننى غير مقتنع بأن القول بحوادث لها أول يلزم منه تعطيل البارى عن صفة الخلق لفترة ما قبل خلق عالمنا, كما أوضحت اعتراضى فى المشاركة السابقة.
ـ[المقدادي]ــــــــ[14 - 07 - 07, 10:39 م]ـ
هل تسلسل الحوادث في المستقبل يمنع أن يكون الله سبحانه و تعالى هو الآخر الذي ليس بعده شيء؟؟؟
ان قيل: نعم فقد قال بقول الجهمية
و ان قيل: لا فيقال له: فكذا تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون سبحانه هو الأول الذي ليس قبله شيء فكما عقلت ذاك اعقل هذا
ـ[أبو عبد الرحمن السعدي]ــــــــ[15 - 07 - 07, 06:31 ص]ـ
و ردى أخى الكريم يحيى ما هو إلا تكرار لكلام أبى زكريا, و هو أن كونه سبحانه لم يكن يخلق فى فترة ما, لا يلزم منه ألا يكون متصفا بصفة الخلق, بل هو سبحانه يخلق وقتما شاء, و لو شاء ألا يخلق شيئا فى فترة ما, ما خلق, و ما أجبره أحدا سبحانه أن يخلق, و ليس هو مضطرا إلى أن يخلق ..
هذا القول يلزم منه لوازم قد توقع صاحبها في الكفر والعياذ بالله!
قال الشيخ محمد عبده في حاشيته على (شرح الدواني للعقائد العضدية):
" وقد استشهد الحكماء على قدم الممكنات بدليل نقلي، وهو ما ذم الله به اليهود (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان).
وبيانه: أنه لو قيل بحدوث العالم فقد قيل بأنه الحق في أزليته لم يزل معطلاً عن الفيض والجود أزمنة غير متناهية لا ابتداء لها ثم أخذ يعطي الوجود، ومعلوم أنه على فرض أنه لم يزل خلاّقاً إلى الأبد فكل ما خلقه فهو متناهٍ، ونسبة المتناهي إلى غير المتناهي كلا نسبة (أي لاتذكر)، وذلك جلي التصور، فنسبة إعطاء الحق للوجود إلى منعه عن كل موجود ليست بشيء، وإن هذا إلا غل اليد، حيث أن الإعطاء ليس بشيء يذكر في جانب المنع، وهذا من الشناعة بمكان ".
إذا علم هذا ظهر لطالب العلم أن المسألة ليست بهذه البساطة التي ظنها الإخوة المشار إليهم وكأن قولهم ذاك أرادوا به الخروج من الخلاف فوقعوا فيما هو أشر مما أرادوا الهروب منه.
ولبيان المسألة على الوجه الصحيح أنقل لكم كلاما لشيخنا ابن عثيمين رحمه الله .. قال في شرحه للعقيدة السفارينية:
"قال بعض العلماء: نعم، أتى عليه وقت لم يكن يفعل شيئاً، ثم حدث الفعل، لأنك إن لم تقل بذلك لزم أن تجعل المفعول قديماً، فإنك إذا اثبت لله فعلاً - فلا فعل إلا بمفعول - وحينئذٍ يلزمك أن تقول بقِدم المفعولات، فتقع في الضلال.
ولهذا اختلف الناس في هذه المسالة .... لكن ليكن معلوماً أن الله لم يزل ولا يزال خلاقًا، وأن هناك مخلوقات غير السماء والأرض؛ لأن المصلي يقول: ((ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد)، فهناك مخلوقات قبل السموات وقبل العرش لا نعرف ما هي؛ لأن الله لم يزل ولا يزال فعالا، ولا يلزم من هذا أن قدم المفعول كقدم الفاعل؛ لأنه باتفاق العقلاء أن المفعول مسبوق بالفاعل؛ لأن المفعول نتيجة فعل الفاعل،وفعل الفاعل وصف له، ولابد أن يكون الموصوف سابقا على الصفة، ثم المفعول بعد الصفة.
يعني لما كان عندنا مفعول وفعل وفاعل، فالمفعول لا شك أنه متأخر عن فعل الفاعل، وفعل الفاعل متأخر عن الفاعل، وعلى ذلك فلا يلزم من قولنا بقدم الحوادث أن تكون قديمة كقدم الله، وأن تكون شريكة لله في الوجود.
وهذا هو الحق الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد شنع عليه خصومه تشنيعاً عظيماً، وقالوا: هذا قول الفلاسفة، وهذا قول باطل، ولكنه رحمه الله تخلص منهم بأنه لا يلزم من قدم المفعول أن يكون مساوياً للفاعل، لأنه بضرورة العقل أن المفعول لابد أن يكون مسبوقاً بفعل، والفعل لابد أن يكون مسبوقاً بفاعل، وهذا هو الحق.
وقول المؤلف: (وضل من أثنى عليها بالقدم) إن أراد من أثنى عليها بالنوع فليس بصحيح، وإن أراد من أثنى عليها بالعين فهذا صحيح؛ لأن ما من شيء من المخلوقات يكون قديما ليس له أول أبدا.
وخلاصة القول في ذلك أنه ليس في الوجود إلا خالق ومخلوقا، وأن الخالق جل وعلا لم يزل ولا يزال موجوداً، وأما المخلوق فالأزل في حقه ممتنع، فليس هناك شيء من المخلوقات يكون أزلياً أبداً، بل ما من مخلوق إلا وهو حادث بعد أن لم يكن؛ فالسموات والأرض والجبال والشجر والدواب والعرش والكرسي والقلم وغير ذلك كله مخلوق من العدم، ولم يقل أحد بقدمه إلا الفلاسفة.
فالفلاسفة هم الذين قالوا بقدم العالم، وأن العالم لم يزل ولا يزول، ولهذا يقولون: إن المادة لا تفنى كما أنها ليست حادثة، وهذا لا شك أنه شرك مخرج عن الملة،ومن ادعى أن مع الله شريكاً في الوجود فهو مشرك."انتهى
وخلاصة الكلام:
أن الله فعال لما يريد فما أراده فعله وما فعله فقد أراده بخلاف العبد الضعيف فإنه يريد ما لا يفعل ويفعل مالا يريد.
ففعله سبحانه وإرادته متلازمان وماثم فعّال لما يريد إلا الله وحده.
قال ابن أبي العز:
"والقول بأن الحوادث لها أول، يلزم منه التعطيل قبل ذلك، وأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لم يزل غير فاعل، ثُمَّ صار فاعلاً.".
قلت فمن وفقه الله لفهم هذه المسألة عرف الرد على الفلاسفة الذين يقولون بقدم العالم وكذلك عرف الرد على الجهمية المعطلة الذين يقولون بنفي الصفات الفعلية لله تعالى .. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
¥