ـ[محمد براء]ــــــــ[10 - 10 - 10, 04:37 ص]ـ
يا إخوتي الأحبة:
بل كلام أيوب رحمه الله تعالى كلام عام مطلق، وقانون عام.
وما تفضل به الأخ عمرو من أن: " صيغ العموم وغيرها مدى انضباطها في النص الشرعي يختلف عن انضباطها في كل البشر غير المعصوم "، خطأ محض، صدوره من مثل الأخ عمرو يستحق ألف علامة تعجب، فالعصمة وعدمها ليست العلة في انضباط صيغ العموم في كلام المتكلم، وإنما الضابط في ذلك هو الفصاحة، فحيثما كان المتكلم فصيحاً قادراً على استخدام الألفاظ في إيصال المعاني المكنونة في صدره: كان استخدامه لصيغ العموم منضبطاً دالاً على معناها عند العرب ..
وبمناسبة ذكرك (مسائل الإيمان)، فهذا الباب نفسه كان سبباً لإنكار طائفة من المرجئة العموم في اللغة والشرع، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/ 441): " وَمِنْ أَهْلِ الْمُرْجِئَةِ مَنْ ضَاقَ عَطَنُهُ لَمَّا نَاظَرَهُ الوعيدية بِعُمُومِ آيَاتِ الْوَعِيدِ وَأَحَادِيثِهِ فَاضْطَرَّهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ جَحَدَ الْعُمُومَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَكَانُوا فِيمَا فَرُّوا إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْجَحْدِ كَالْمُسْتَجِيرِ مِنْ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ "!
وحالك شبيه بحال هؤلاء جداً!
من جهة أنك لما لم تستطع الجواب عن إيرادي بضرورة الإتيان بمخصص، جحدت صيغ العموم في غير كلام المعصوم .. أو قاربت!
والحق: أنه لا فرق بين كلام المعصوم وغير المعصوم في هذا الباب ما دام المتكلم عربياً فصيحاً، ولهذا كما أن الوعيدية أخطأوا في فهم عمومات بعض آيات الوعيد، فإن قوماً أخطأوا في فهم نصوص السلف والأئمة في إطلاقهم الكفر على بعض المبتدعة، ولم يكن الأمر موجباً لجحد العموم في كلا الحالتين، قال شيخ الإسلام (12/ 487) في سياق كلام له في هذه المسألة: " وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مَا أَصَابَ الْأَوَّلِينَ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ " ..
فتفريقك هذا بين كلام المعصوم وغير المعصوم من اختراعاتك التي لا أظن أن أحداً سبقك إليها، والله أعلم
أما ما ذكرته بعد ذلك من أن " كلام أيوب السختياني أصلا ليس دليلا شرعيا، ولا من جنس الأدلة " فهذا تخليط ظاهر، فالبحث في دلالة كلام أيوب لا في حجيته كما لا يخفى، وعلى أي حال فلو كان كلامه اجتهاداً منه فهو خير من اجتهاد من يقرن كلامه بكلام أئمة السلف ويقول: " وأنا أقول كذا وكذا .. ! "
على أنني ظفرت ببحث للإمام أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام في هذه المسألة، يصلح أن يقال: إنه بين فيه أن كلام أيوب قانون عام، وأصل سلفي، قال فيه (1/ 183): " فاعملوا أن البدعة لا يقبل معها عبادة من صلاةولا صيام ولا صدقة ولا غير ها من القربات ".
ثم نقل كلام أيوب وهشام بن حسان وغيرهما من الأئمة، ثم قال: " وهذه الأحاديث وما كان نحوها مما ذكرناه أو لم نذكره، وإن لم نتضمن عهدة صحتها كلها، فإن المعنى المقرر فيها له في الشريعة أصل صحيح لا مطعن فيه ".
ثم بين ذلك من أكثر من وجه ..
ثم قال (1/ 204): " وأما أنه يزداد من الله بعدا فلما روي عن الحسن أنه قال: " صاحب البدعة ما يزداد من الله اجتهاداً: صياماً وصلاة إلا ازداد من الله بعداً ".
وعن أيوب السختياني قال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعداً.
ويصحح هذا النقل ما أشار إليه الحديث الصحيح في قوله عليه الصلاة و السلام في الخوارج: " يخرج من ضئضىء هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ـ إلى أن قال: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
فبين أولاً اجتهادهم، ثم بين آخراً بعدهم من الله تعالى.
وهو بَيِّن أيضاً من جهة أنه لا يقبل منه صرف ولا عدل، كما تقدم، فكل عمل يعمله على البدعة فكما لو لم يعمله.
ويزيد على تارك العمل بالعناد الذي تضمنه ابتداعه، والفساد الداخل على الناس به في أصل الشريعة، وفي فروع الأعمال والاعتقادات وهو يظن مع ذلك أن بدعته تقربه من الله وتوصله إلى الجنة
وقد ثبت بالنقل الصحيح الصريح بأنه لا يقربه إلى الله إلا العمل بما شرع وعلى الوجه الذي شرع ـ وهو تاركه - وأن البدع تحبط الأعمال ـ وهو ينتحلها - ".
قلت: وبمناسبة ذكر حديث الخوارج، فمن اللطيف أن الخطيب أخرج في تاريخه (12/ 172) عن سلام بن أبى مطيع قال: قال سعيد لأيوب: يا أبا بكر إن عمرو بن عبيد قد رجع عن قوله!
قال سلام: وكان الناس قد قالوا ذلك تلك الأيام؛ أنه قد رجع.
قال: إنه لم يرجع. قالها غير مرة.
ثم قال أيوب: ما سمعتَ إلى قوله - يعنى في الحديث -: " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه "؟! إنه لا يرجع ابداً! ".
ومن اللطيف أيضاً أن الذين روي عنهم هذا الأصل معظمهم بصريون: الحسن وأيوب وهشام بن حسان، والبصرة كانت بلد عمرو بن عبيد وواصل، وفيها ظهرت بدعة القدر والاعتزال، وأيضاً: سيد هؤلاء عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما بلغه قول القدرية البصريين قال: " لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر "، وهذا الحديث ذكره الشاطبي (1/ 186) - والعزو لنسخة مشهور - في الأدلة على أن المبتدع لا تقبل منه عبادة.
أما كلامك عن كلمة شيخ الإسلام: فهو أيضاً لا (يخلعها) عن عمومها في الاجتهاد العلمي والعملي ..
¥